دغاء الوعيد

وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد في أمري كله

Translate

الأربعاء، 4 سبتمبر 2024

سهر الصالخين وفضل العمل والشفقة على الخلق وتقدير ظروفهم

 


سهر الصالحين ‌في ‌طلب ‌العلم

ويب


التصنيف:محاسن الأخلاق

https://www.islamweb.net/PicStore/Random/1689494096_238414.jpg

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإنه لا يخفى على أحدٍ فضلُ العلم والعلماء؛ فإنهم أهل الرفعة كما قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(المجادلة: 11).
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه أن يزيده علما فقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه: 114).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل الله له به طريقا إلى الجنة". (رواه مسلم).
وقد بذل أسلافنا الصالحون رضي الله عنهم أوقاتهم وأموالهم في طلب العلم ومدارسته، وكان كثير منهم يضن بليله أن ينامه كله، بل يؤثر السهر في طلب العلم على الراحة والنوم. وكانوا يرون ذلك من أفضل القربات، فقد روى الدارمي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (تَدارُس العلم ساعةً من الليل خيرٌ من إحيائها).
وكان عطاء وطاووس ومجاهد يقولون: (لا بأس بالسمر في الفقه).
وقيل لبعض السلف: بم أدركت العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح.
وسئل عن ذلك آخر فقال: بالسفر، والسهر، والبكور في السحر.
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: أفضل المذاكرة مذاكرة الليل.
وقد بوَّب البخاري رحمه الله: باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، وذكر حديث قُرَّة بن خالد قال: انتظرنا الحسَن، وراثَ (أي أبطأ وتأخر) علينا، حتى قَربنا من وقت قيامه فجاء، فقال: دعانا جيراننا هؤلاء، ثم قال: قال أنس رضي الله عنه: نظَرنا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة حتى كان شَطر الليل يبلغُه، فجاء فصلى لنا ثم خطبَنا، فقال: "ألا إن الناس قد صلَّوا ثم رقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة". قال الحسن: وإن القوم لا يزالون بخير ما انتظروا الخير.

السهر في طلب العلم طاعة وقربة:
أخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن أبي موسى، أن أبا موسى رضي الله عنه أتى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه بعد العشاء، قال: فقال له عمر: ما جاء بك؟ قال: جئتُ أتحدث إليك، قال: هذه الساعةَ؟ قال: إنه فِقه، فجلَس عمر، فتحدَّثا ليلاً طويلا، حسبتُه قال: ثم إن أبا موسى، قال: الصلاة يا أمير المؤمنين! قال: إنَّا في صلاة. فجعل رضي الله عنه طلب العلم مثل الصلاة.
قال الإمام النووي رحمه الله: (قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمُدارَسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف... ونحوِ ذلك، فكل هذا لا كراهةَ فيه).
وكان العلماء وطلبة العلم يقضون كثيرا من الليل في طلب العلم ومذاكرته، ويتلذذون بذلك:
يهوى الدياجي إذا المغرور أغفلها كأن شهب الدياجي أعين نجل
والأعين النجل: الواسعة.

المذاكرة حتى الصباح:
ذكر محمد بن فضيل عن أبيه قال: كان الحارث بن يزيد العُكْلي، وابن شُبرُمة، والقَعقاع بن يزيد، ومغيرة إذا صلوا العشاء الآخرة جلسوا في الفقه، فلم يفرق بينهم إلا أذان الصبح.
وقال علي بن الحسن بن شقيق: قمت لأخرج مع ابن المبارك في ليلة باردة من المسجد، فذاكرني عند الباب بحديث أو ذاكرته فما زلنا نتذاكر حتى جاء المؤذن للصبح.
وكان محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لا ينام الليل، كان عنده الماء يزيل نومه به، وكان يقول: إن النوم من الحرارة، فلابد من دفعه بالماء البارد.
وذكر ابن اللباد أن محمد بن عبدوس صلى الصبح بوضوء العتمة (أي: العشاء) ثلاثين سنة، خمس عشرة سنة من دراسة، وخمس عشرة سنة من عبادة.
وكان البخاري رحمه الله يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج فيكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى، حتى كان يتعدد منه ذلك قريباً من عشرين مرة.
قل لمن نام وهو يطلب مجدا فاتك المجد يا حليف الوسائد
وقال آخر:
إذا شام الفتى برق المعالي فأهون فائت طيب رقاد
وقال عبد الرحمن بن قاسم العتقي المصري أحد أصحاب مالك والليث وغيرهما: كنت آتي مالكاً غلساً -يعني: في آخر الليل- فأسأله عن مسألتين أو ثلاث أو أربع، وكنت أجد منه في ذلك الوقت انشراح صدر، فكنت آتيه كل سحر، فتوسدت مرة عتبته، فغلبتني عيني فنمت، وخرج مالك إلى المسجد ولم أشعر به، فركضتني جارية سوداء له برجلها، وقالت لي: إن مولاك قد خرج، ليس يغفل كما تغفل أنت، اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة.

أما أسد بن الفرات قاضي القيروان، وتلميذ الإمام مالك، ومدون مذهبه، وأحد القادة الفاتحين، فتح صقلية واستشهد بها سنة (213) من الهجرة، كان قد خرج من القيروان إلى الشرق سنة (172) من الهجرة، فسمع الموطأ على مالك بالمدينة، ثم رحل إلى العراق فسمع من أصحاب أبي حنيفة وتفقه عليهم، وكان أكثر اختلافه إلى محمد بن الحسن الشيباني، ولما حضر عنده قال له: إني غريب قليل النفقة، فما حيلتي؟! فقال له محمد بن الحسن: اسمع من العراقيين بالنهار، وقد جعلت لك الليل وحدك، تبيت عندي وأسمعك.
قال أسد: فكنت أبيت عنده وينزل إلي، ويجعل بين يديه قدحاً فيه الماء، ثم يأخذ في القراءة، فإذا طال الليل ونعست ملأ يده ونفح وجهي بالماء فأنتبه، فكان ذلك دأبه ودأبي، حتى أتيت على ما أريد من السماع عليه.
قال أبو يعلى الموصلي:
اصبر على مضض الإدلاج بالسحر وبالرواح على الحاجات والبكر
لا تعجزن ولا يضجرك مطلبها فالنجح يتلف بين العجز والضجر
أي أن النجاح يتبخر ويضيع بين العجز والضجر.

أما شيخ الإسلام الإمام المنذري الذي كان أحفظ أهل زمانه، فقد حكى شيخ الإسلام النووي رحمه الله تعالى عن شيخه الإمام الجليل أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي يصف حال شيخه المنذري: (ولم أر ولم أسمع أحداً أكثر اجتهاداً منه في الاشتغال، كان دائم الاشتغال في الليل والنهار.
قال: وجاورته في المدرسة -يعني: في القاهرة- بيتي فوق بيته اثنتي عشرة سنة، فلم أستيقظ في ليلة من الليالي في ساعة من ساعات الليل إلا وجدت ضوء السراج في بيته وهو مشتغل بالعلم).
قال الزمخشري واصفاً تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم من طول سهرهم:
سهري لتنقيح العلوم أَلَذُّ لي من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طرباً لحل عويصة أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
والدوكاء: الحجر الذي يسحق به الطيب.
قال النووي رحمه الله تعالى وهو يحكي عن أوائل طلبه للعلم: وبقيت سنتين لم أضع جنبي على الأرض.
كان ينام وهو جالس، ثم لا يلبث أن يستيقظ للاستمرار في طلب العلم.
وحكى البدر بن جماعة أنه سأله رحمه الله تعالى عن نومه فقال الإمام النووي: إذا غلبني النوم استندت إلى الكتب لحظة وأنتبه.
وهذا الإمام الشيخ حافظ الشام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله فقد كف بصره من كثرة المطالعة والكتابة وسهره في طلب العلم.
هكذا العلماء صار العلم لهم غذاء لأرواحهم فاستغنوا به عن كثير من زخرف الدنيا وزينتها وشهواتها.
قال أبو الخطَّاب الكلوذاني:
واعلم بأني قد نظمت مسائلا لم آل فيها النصح غير مقلد
وأجبت عن تسآل كل مهذب ذي صولة يوم الجدال مسود
هجر الرقاد وبات ساهر ليله ذي همة لا يستلذ بمرقد
قوم طعامهم دراســة علمهـم يتسابقون إلى العلا والسؤدد
وممن اشتهر بالسهر في طلب العلم الإمام الجليل تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله تعالى، وقد رحل إلى عدة بلدان، وأخذ العلم عن كبار أساتذة عصره، وتعمق في مذهبي مالك والشافعي، كما تعمق في علوم الحديث والتفسير وعلم الكلام والنحو والأدب، وأتقن وهو شاب المذهبين إتقاناً عظيماً، وبلغ إلى درجة الإفتاء بهما.
يقول الإسنوي: حقق المذهبين معاً، يعني مذهب مالك والشافعي، ولذلك مدحه الشيخ ركن الدين بن القوبع المالكي بقصيدة من جملتها:
صبا للعلم صباً في صباه فأعل بهمة الصب الصبي
وأتقن والشـباب لـه لباس أدلـة مـالـك والـشـافـعـي
يعني: مال وأحب وعشق العلم في فترة الصبا.

كان رحمه الله تعالى منقطعاً للعلم والعبادة، فكان لا ينام من الليل إلا قليلاً، وكانت أوقاته معمورة بالدرس والمطالعة والتحصيل أو الإملاء والتأليف ورواية الحديث، وإذا أراح نفسه من بعض ذلك العناء فلا يُرى إلا قائماً يصلي في المحراب، أو جالساً يتلو كلام الله، أو ماشياً يتفكر في خلق الله متدبراً صنعه، مستدلاً بذلك على قدرة الله ووحدانيته، فهو منصرف بجسمه وفكره سواد ليله وبياض نهاره إلى البحث والتحقيق والاستنباط والتدقيق، أو الصلاة والقيام وتقديس الله الملك العلام.
وأصدق مرآة لحياته قوله:
الجسم يذيبه حقوق الخدمة والقلب عذابه علو الهمة
والعمر بذاك ينقضي في تعب والراحة ماتت فعليها الرحمة
يقول السبكي في حاله: أما دأبه في الليل علماً وعبادة فأمر عجاب، فربما استوعب الليل فطالع فيه المجلد أو المجلدين، وربما تلا آية واحدة فكررها إلى مطلع الفجر.
وقال الأدفوي: حكى لي الشيخ زين الدين عمر الدمشقي المعروف بـ ابن الكناني رحمه الله تعالى قال: دخلت عليه بكرة يوم فناولني مجلداً وقال: هذا طالعته في هذه الليلة التي مضت.

وكان الفيروز آبادي صاحب القاموس يقول عن نفسه: لا أنام حتى أحفظ مائتي سطر.
وقد قيل: من أراد اللحاق بالسادة فليترك الوسادة.
لقد يَحمَدُ القَومُ السُّرَى في صَباحِهِمُ زمانَ تَلاقٍ عندَه الشَّمْلُ يُجمَعُ
وهـــا أنا أَسرِي في ظلامِي وإنِّني أَذُمُّ صَباحِي والخلائـقُ هُجَّعُ
أقولُ لِصَبرِي: أنتَ ذُخرِي لَدَى النَّوَى وذُخرُ الفَتَى حقًّا شفيعٌ مُشفَّعُ

===============


ضل العمل والسعي في طلب الرزق

https://www.islamweb.net/PicStore/Random/1657009343_236365.jpg

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الله تعالى أمر عباده بالسعي في الأرض لطلب الرزق والتكسب وكفاية النفس عن الحاجة إلى الناس، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (الملك: 15).
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (ذكر سبحانه نعمته على خَلْقه في تسخيره لهم الأرض، وتذليله إياها لهم، بأن جعلها قارَّةً ساكنةً لا تميد ولا تضطرب، بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلَك فيها من السُّبل، وهيَّأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، فقال: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } (الملك: 15)؛ أي: فسافروا حيث شئتم مِن أقطارها، وتردَّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيَكم لا يُجدي عليكم شيئًا، إلا أن ييسرَه الله لكم؛ ولهذا قال: { وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } (الملك: 15)؛ فالسعيُ في السبب لا ينافي التوكلَ).
وقال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: 61). قال الشيخ السعدي - رحمه الله - في تفسيرها:
(..{
هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ } أي: خلقكم فيها { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي: استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها).

الترغيب في السعي والعمل في الكتاب والسنة:
قال الله تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (الجمعة: 10).
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (قوله تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ } أي: فُرغ منها، { فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } لَمَّا حجَر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض، والابتغاء من فضل الله).
وقال السعدي – رحمه الله - : (لطلب المكاسب والتجارات).
قال ابن أبي حاتم (رحمه الله): (كان عراك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتَني، فارزقني من فضلك، وأنت خيرُ الرازقين).
وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يحثنا على العمل والسعي للتكسب ويرغب في ذلك بأساليب متعددة، فقد روى البخاري عن المِقدام رضي الله عنه: أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ما أكَلَ أحدٌ طعامًا قط خيرًا مِن أن يأكلَ مِن عمل يده".
وقال صلى الله عليه وسلم: " لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ "رواه البخاري.
ففي هذا الحديث يبين صلى الله عليه وسلم أنَّ العمَلَ مهْما كان نوعُه فهو أفضل مِن سؤالِ النَّاسِ وإراقةِ ماءِ الوجْه لهم، وأنَّه مهْما يكُنْ شاقًّا عَنيفًا فهو أرحَمُ مِن مَذلَّةِ السُّؤالِ، فعندَ الحاجةِ يَنْبغي تَرجيحُ الاكتِسابِ على السُّؤالِ، ولو كان بعملٍ شاقٍّ.
وبطريقة أخرى وبأسلوب بديع يرغب في العمل وعمارة الأرض فيقول صلَّى الله عليه وسلَّم: " إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها "رواه أحمد.

قال المناوي رحمه الله : (هذا الحديث فيه الحثُّ على غرس الأشجار، وحفر الأنهار؛ لتبقى هذه الدار عامرةً إلى آخرِ أمدها المحدودِ المعدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس لك غيرُك فانتفعتَ به، فاغرس أنت لمن يجيءُ بعدك لينتفع، وإن لم يبقَ من الدنيا إلا وقت قليل).
ومن هذا الباب ما كان من معاوية رضي الله عنه حين أخذ في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره فقيل له فيه فقال: ما غرسته طمعا في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به. . . ولا يكون له في الأرض آثار

ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة"رواه مسلم.
قال النووي - رحمه الله -: (هذا الحديث فيه فضيلةُ الغرس، وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمرٌّ ما دام الغراسُ والزرع، وما تولد منه إلى يوم القيامة).
ويقول صلى الله عليه وسلم: " مَن أحيا أرضًا ميتةً فله بها أجرٌ، وما أكله العوافي منها فهو له صدقةٌ".
فحثَّ في هذا الحديث على العمل وعمارة الأرض بالزرع والبناء ونحوهما وبَيَّن أنه لا ينتفع أحد من الخلق بأثر هذا العمل إلا كان للعامل أجر وصدقة.
وقد مَرَّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ" رواه الطبراني.
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: " الساعي على الأرملةِ والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائمِ الليل، الصائم النهار"متفق عليه.
وقد ذكر أهل العلم أن المراد بالساعي: الكاسبُ لهما، العامل لمؤنتهما.
وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "على كلّ مسلم صدقة". قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق" متفق عليه.

الأنبياء والعمل والتكسب:
لقد كان أنبياء الله ورسله قدوة في هذا الباب فكانوا يعملون بأيديهم ويتكسبون، وقد ذكر الله لنا ذلك في القرآن وذكره النبي في سنته، قال الله عز وجل عن عبده ونبيه داود عليه السلام: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (سبأ: 10، 11).
والسابغات هي الدروع.
وقال تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } (الأنبياء: 80).
فقد علمه الله عز وجل صنعةَ الدُّروع.
وعن المقدام- رضي الله عنه - عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: "ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود- عليه السّلام- كان يأكل من عمل يده"رواه البخاري.
أما نبي الله موسى عليه السلام فإنه قد رعى عدة سنوات للرجل الصالح حتى ينكح ابنته، قال الله عز وجل مبينا ما كان بينهما من حوار واتفاق: { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }(القصص: 27 - 28).
وقد ثبت أن نبي الله موسى قضى أتَمَّ وأكمل الأجلين، فقد روى البخاري أن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله. فقدمت فسألت ابن عباس - رضي الله عنه - فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل.
ونبي الله زكريا عليه السلام كان نجارا، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "كان زكريَّاءُ نجَّارًا".
قال الإمام النووي - رحمه الله -: (هذا الحديث دليلٌ على أن النجارة صنعةٌ فاضلة، وفيه فضيلة لزكرياءَ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنه كان صانعًا يأكل مِن كَسْبِه).
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عمل قبل بعثته بالتجارة كما عمل برعي الغنم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ما بعَث الله نبيًّا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريطَ (نقود) لأهل مكة" رواه البخاري.
قال العلامة ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث: (قال العلماء: الحكمةُ في إلهام الأنبياء رَعْيَ الغنم قبل النبوة: أن يحصل لهم التمرنُ برعيها على ما يُكلَّفونه مِن القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يُحصِّلُ لهم الحِلمَ والشفقةَ؛ لأنهم إذا صبروا على رعيِها وجمعها بعد تفرُّقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوِّها من سَبُع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها، وشدة تفرُّقها مع ضعفها، واحتياجها إلى المعاهدة - أَلِفُوا من ذلك الصبرَ على الأمة، وعرَفوا اختلافَ طِباعها، وتفاوُتَ عقولها؛ فجَبَروا كَسرَها، ورفقوا بِضَعِيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحمُّلهم لمشقة ذلك أسهلَ مما لو كُلِّفوا القيام بذلك من أول وهلة؛ لِما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخُصَّت الغنم بذلك؛ لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثرُ من تفرق الإبل والبقر؛ لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرُّقها فهي أسرع انقيادًا من غيرها).

الصحابة والعمل والتكسب:
لقد كانت حياة أصحاب النبي عامرة بالجد والاجتهاد والعمل في شتى الميادين، وكانوا أحرص الناس على التعفف والاستغناء عن الناس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وأوضح دلالة على هذا المعنى ما رواه البخاري – رحمه الله - عن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: لما قدمنا المدينةَ، آخَى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيني وبين سعدِ بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالًا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هوِيتَ، نزلتُ لك عنها، فإذا حلَّتْ تزوجتَها، فقال له عبدالرحمن: لا حاجةَ لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوقُ قينقاع، قال: فغدا إليه عبدالرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغُدوَّ، فما لبث أن جاء عبدالرحمن عليه أثرُ صُفرة (أي: عطر)، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "تزوجت؟"، قال: نعم، قال: "ومن؟"، قال: امرأة من الأنصار، قال: "كم سُقْتَ؟"، قال: زِنَةَ نواة من ذهب، فقال له النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَوْلِمْ ولو بشاة".
فنسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يغنينا بفضله عمن سواه، ونعوذ به من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، ومن غلبة الدَّين وقهر الرجال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

======================  
الشفقة على الخلق وتقدير ظروفهم  

 
https://www.islamweb.net/PicStore/Random/1660210323_236722.jpg

الحمد لله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
ورد في تاريخ دمشق لابن عساكر عن أبي الخير قال: "القلوب ظُرُوف: فقلب مملوء إيمانًا، فعلامته الشَّفَقَة على جميع المسلمين، والاهتمام بما يهمُّهم، ومعاونتهم على أن يعود صلاحه إليهم، وقلب مملوء نفاقًا، فعلامته الحقد والغلُّ والغشُّ والحسد".
والمؤمن يتميز بالشفقة على الناس، قال جرير:
يُسِرُّ لك البَغْضَاءَ كلُّ مُنَافِقٍ .. .. كما كلُّ ذِي دِينٍ عليك شَفِيقُ
عندما ينصاع العبد لأوامر الشرع وتتمكن الرحمة من القلب، ستصرف همته إلى إزالة المكروه عن الناس، فيكون عليهم خائفا، ولهم ناصحا، وبهم متلطفا، وهذا هو معنى الشفقة.

من صور الشفقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رحيما رفيقا، وكان أرحم الناس بالناس، وكان أرفق الناس بالناس، وكان شديد الشفقة على الخلق. كيف لا وهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة .

وقد ورد في سيرته وسنته من المواقف الكثيرة العظيمة ما يدل على ذلك، ومنها:
-
عن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تَدَاعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى) متفق عليه.
قال ابن حبان: "وفيه مَثَّل النَّبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بما يجب أن يكونوا عليه من الشَّفَقَة والرَّأفة".

-
وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أَتَيْنَا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أنَّا اشْتَقْنَا أهْلَنَا، وسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا في أهْلِنَا، فأخْبَرْنَاهُ، وكانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: (ارْجِعُوا إلى أهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ ومُرُوهُمْ، وصَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وإذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أكْبَرُكُمْ)متفق عليه.
وهكذا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي حاجة هؤلاء الشباب إلى أهليهم، فتحمله شفقته ورحمته على الإذن لهم بالرجوع إليهم وتعليمهم.

-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّ أحدُكم النَّاسَ فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغيرَ والكبيرَ والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصل كيف شاء)رواه البخاري.
وهذا مثال آخر من أمثلة شفقته بأمته ورحمته بالمؤمنين: أنَّه إذا كان الإنسان إمامًا لهم، فإنَّه لا ينبغي له أن يُطِيل عليهم في الصَّلاة، بل ينبغي أن يراعي حال المأمومين فيخفف عليهم، والمراد بالتَّخفيف: ما وافق سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو التَّخفيف، وليس المراد بالتَّخفيف ما وَافَق أهواء النَّاس.

-
ومن ذلك أيضا عدولُه عن نية الإطالة في الصلاة بعد دخولها شفقةً على الطفل الباكي وتأثرأمه، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي قَتَادَةَ — رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كراهية أن أشق على أمه)متفق عليه. وفي رواية: (مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ).

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يلمسون ذلك، في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً ولَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ — صلى اللهُ عليه وسلَّم — وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ وَرَاءَهُ، فَيُخَفِّفُ". وفي رواية "فَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَةِ" "مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّه".

-
ومن ذلك عدم خروجه لصلاة القيام كل ليلة في جماعة في رمضان حتى لا تفرض عليهم، فعند النسائي عَنْ عَائِشَةَ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، وَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) رواه البخاري، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.


-
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: لما جاء نعي جعفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم، أو أمر يشغلهم)رواه الترمذي.
قال وليُّ الله الدَّهْلوي: "هذا نهاية الشَّفَقَة بأهل المصيبة، وحفظهم من أن يتضوَّروا بالجوع".

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتواصون بالشفقة على المسلمين، فعن أسلم أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه استعمل مولى له -يُدْعى هُنَيًّا- على الحِمَى، فقال: "يا هُني، اضْمُم جناحك عن المسلمين، واتَّق دعوة المظلوم؛ فإنَّ دعوة المظلوم مستجابة".
قال العيني: "قوله: اضْمُم جناحك، ضَمُّ الجَناح: كناية عن الرَّحمة والشَّفَقَة، وحاصل المعنى: كُفَّ يدك عن ظلم المسلمين".

-
وعن عبد الملك بن حميد، قال: كنَّا مع عبد الملك بن صالح بدمشق، فأصاب كتابًا في ديوان دمشق: "بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، من عبد الله بن عبَّاس، إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإنِّي أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، عصمنا الله وإيَّاك بالتَّقوى... أمَّا بعد، فإنَّك من ذوي النُّهى من قريش، وأهل الحلم والخُلُق الجميل منها، فليَصْدر رأيك بما فيه النَّظر لنفسك، والتَّقيَّة على دينك، والشَّفَقَة على الإسلام وأهله، فإنَّه خير لك، وأوفر لحظِّك في دنياك وآخرتك".

-
وقال الجنيد -عندما سُئل عن الشَّفَقَة على الخَلْق ما هي؟ قال: "تعطيهم من نفسك ما يطلبون، ولا تحمِّلهم ما لا يطيقون، ولا تخاطبهم بما لا يعلمون".

من الوسائل المعينة على اكتساب الشَّفَقَة:
1-
ترك الشِّبَع:
قال أبو سليمان الدَّاراني: "من شَبِع دخل عليه ستُّ آفات: فَقَد حلاوة المنَاجاة، وتعذَّر حفظ الحِكْمة، وحرمان الشَّفَقَة على الخَلْق؛ لأنَّه إذا شَبِع، ظنَّ أنَّ الخَلْق كلَّهم شِبَاعٌ، وثُقْل العبادة، وزيادة الشَّهوات، وأنَّ سائر المؤمنين يدورون حول المساجد، والشِّباع يدورون حول المزابل".

2-
اجتناب الحسد:
قال أبو عبد الرَّحمن السُّلمي: "الحسد عدوُّ نعمة الله، وإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحاسدوا)، وحسد المسلمين من قلَّة الشَّفَقَة عليهم".

3-
مخالطة الضُّعفاء والمساكين وذوي الحاجة:
فإنَّه ممَّا يُــرَقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحمة والشَّفَقَة بهؤلاء وغيرهم.

4-
مَسْحُ رأس اليتيم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنَّ رجلًا شكا إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قسوةَ قلبِه فقال: امسَحْ رأسَ اليتيمِ وأطعِمِ المسكينَ)أخرجه أحمد.

ونختم بقول الشاعر:
ارحــمْ أخـيَّ عبـادَ اللهِ كلَّـهــم .. .. وانظرْ إِليهمْ بعينِ اللُّطفِ والشَّفَقَه
وَقِّرْ كبيرَهمُ وارحَمْ صغيرَهمُ .. .. وراعِ في كلِّ خلقٍ وجْهَ مَن خَلَقَه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المسارعة في الخيرات المسارعةُ في الخيراتِ والمسابقةُ إلى الأعمالِ الصَّالحةِ للفوزِ برِضا اللهِ - عزَّ وجلَّ -

بعضه  من الالوكة    قلت المدون لقد أغفل المسلمون أهم مطلوب ساد علي كل المطلوبات الالهية والتكليفات الربانية هو[عمل الصالحات بغير قيد وو تخصي...