دغاء الوعيد

وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد في أمري كله

Translate

الجمعة، 20 سبتمبر 2024

المسارعة في الخيرات المسارعةُ في الخيراتِ والمسابقةُ إلى الأعمالِ الصَّالحةِ للفوزِ برِضا اللهِ - عزَّ وجلَّ -

بعضه  من الالوكة  

 قلت المدون لقد أغفل المسلمون أهم مطلوب ساد علي كل المطلوبات الالهية والتكليفات الربانية هو[عمل الصالحات بغير قيد وو تخصيص ولا شك ان  وورودها في الايات  بهذه الكثرة في حياة كل مؤمن صارت لبنة أصيلة من لبنات التكوين الهيكلي والعقائدي في الدنيا والاخرة بحيث استطيع القول بأن الإحجام عن مسار عمل الصالحات هو دربا وطريقا الي الهاوية وجحيم النيران وسيئ الخسران واشارة الي تنحيس ونمو صاحبه علي الشح والبخل والحقد والانانية وانحطاط الايمان في جدور القلب عندهم ومسحات تعليم أطفالهم بذلك الشح والولوج الي رب العزة بيدين خاليتان الوفاض ذاهبتان الرصيد يوم القيامة فليمني ويؤمل الشحيح بأعمال الخير يوم القيامة بالخسران المبين ويخطئ من يتصور ان عمل الصالحات محصور في التصدق بالمال فقط بل هو مثل سرطان حميد تمدد في سائر جسد كل المؤمنين ليحفزهم علي تعاطي كل توجههم الي عمل الصالحات لينتج ثماره بإبعاد جسد المريض عن نوعه الخبيث وانت تري في نماذج الايات التاليات ان اعمال الخير والصالحات ليس لها حدود في صفحات الكتاب وثنيات سنة النبي صلي الله عليه وسلم وبتطبيقاته بين اكابر الصحابة كلهم بلا استثناء  وكل المؤمنين] انظر النماذج التالية///

 المسارعة في الخيرات المسارعةُ في

  الخيراتِ والمسابقةُ إلى الأعمالِ

  الصَّالحةِ للفوزِ برِضا اللهِ - عزَّ وجلَّ - نراها في سلوكِ كلِّ مسلمٍ فَطنٍ، وفي تصرُّفاتِه كلَّ وقتٍ وحينٍ؛ امتثالاً لأمرِ الخالقِ - عزَّ وجلَّ - إذ يقـولُ: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ويقولُ: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]، والمعنى: بادروا يا مؤمنونَ إلى عملِ الصالحاتِ، وتنافسوا في تقديمِ الخيراتِ، ولا تُضيِّعوا الأوقاتَ في غير فائدةٍ، ولا تُؤثِروا الحياةَ العاجلةَ على الآجِلةِ، لا تَرْكَنوا إلى الحياةِ الفانيةِ، وتتركوا الباقيةَ؛ فإنَّ الآخرةَ خيرٌ وأبقَى، ولو كانتِ الدنيا مِن ذَهبٍ يفنَى، والآخرةُ مِن خَزَفٍ يبقَى، لكان الواجبُ على المسلمِ العاقلِ أن يُؤثِرَ خزفًا يبقَى على ذهبٍ يفنى، فكيف والآخرةُ مِن ذَهَبٍ يبقَى، والدنيا من خَزَفٍ يفنَى؟! لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَالْمَوْتُ لاَ شَكَّ يُفْنِينَا وَيُفْنِيهَا وَاعْمَلْ لِدَارٍ غَدًا رِضْوَانُ خَازِنُهَا وَالجَارُ أَحْمَدُ وَالرَّحْمَنُ نَاشِيهَا قُصُورُهَا ذَهَبٌ وَالمِسْكُ طِينَتُهَا وَالزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا لَبَنٌ مُصْفَى وَمِنْ عَسَلٍ وَالخَمْرُ تَجْرِي رَحِيقًا فِي مَجَارِيهَا وَالطَّيْرُ تَجْرِي عَلَى الْأَغْصَانِ عَاكِفَةً تُسبِّحُ اللهَ جَهْرًا فِي مَغَانِيهَا مَنْ يَشْتَرِي الدَّارَ فِي الفِرْدَوْسِ يَعْمُرُهَا بِرَكْعَةٍ فِي ظَلاَمِ اللَّيْلِ يُحْيِيهَا وأَمَر المعصومُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأُمَّةَ المسلمةَ في كلِّ زَمانٍ ومكانٍ بالمبادرةِ إلى كلِّ ما يُقرِّبُ مِن اللهِ - عزَّ وجلَّ - حين قال: ((بادِروا بالأعمالِ الصَّالِحة، فستكونُ فِتنٌ كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبح الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، يَبيع دِينَه بعَرَضٍ مِن الدُّنيا))؛ رواه مسلم. في مُجتمعنا هذا كَثيرٌ مِن الناسِ أنفسُهم خَيِّرَةٌ، وقلوبُهم طاهرةٌ، يُحبُّون عملَ الخيرِ، وأفعالَ البرِّ، ولكنَّهم مُبتَلَون بالتسويفِ، وتأجيلِ الأعمالِ مِن يومٍ إلى يومٍ، لا يَنتهزون الفُرَصَ، وليس عندَهم خُلُقُ المبادرةِ والمسارعةِ والمسابقةِ. تَستمعُ إلى أحدِهم وهو يُحدِّثُكَ عن أعمالٍ صالحةٍ يُريدها، ومشروعاتٍ خيريَّةٍ يرسمها، فيُعجبك حديثُهُ، وتحسُّ فيه الصدقَ والرغبةَ، ولكنَّ الأيَّامَ تمرُّ، وتتوالَى الشهورُ، وتَنقَضِي الأعوامُ، وأعمالُهُ ومشروعاتُهُ ما زالتْ أحلامًا لم تتحقَّق! لمثل هذا يقولُ المعصومُ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بادِروا بالأعمالِ الصَّالحةِ))، وانتهِزوا الفُرصَ قبلَ أن تفوتَكم، واحذروا الفِتنَ قبلَ أن تشغلَكم وتَصرفَكم عن هذه الأَعمال. وليستِ الأعمالُ الصالحةُ هي: الصلاةَ، والزكاةَ، والصيامَ، والحجَّ، فقط، وإنَّما هي كثيرة متعدِّدة: • زيارةُ المريضِ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. •وتفريج كربات المسلمين من أسمي غايات المؤمنين و يكفي الاشارة النبوية في تقرير غايات عائدها بقول النبي ص [[ ومن فرَّجَ علي معسر فرج في الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ]] قلت المدون وما ادراك بكربات يوم الحشر والحساب أجارنا الله من شر يوم القيامة بكل ما فيه.

   إحسانُكَ إلى جارِك عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • قراءتُك القرآنَ الكريمَ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • إعطاؤك الفقراءَ والمساكينَ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • إغاثتُك الملهوفَ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • إنصافُك المظلومَ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • تربيتُك لأبنائِكَ وبناتِكَ على منهجِ الله عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • إعمارُ المساجدِ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • طلبُ العلمِ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. إنجازُك لعملِك إنْ كنتَ موظَّفًا عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • فَصلُكَ في الشكاوى المقدَّمةِ إليك إنْ كنت مديرًا في مؤسَّسةٍ أو رئيسًا في مصلحةٍ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. • قيامُك بالواجبِ عليك في كلِّ جانبٍ مِن جوانبِ الحياةِ عملٌ صالحٌ، فسارِعْ إليه وبادِرْ قَبلَ أنْ يَفوتَك. فيا أيُّها المسوِّفُون، ويا أيُّها المتردِّدون، استبقوا الخيراتِ؛ فإنَّ الإنسانَ لا يَدري ماذا يَعرِضُ له؟ الإنسانُ لا يَدري ماذا يَعرِضُ له؟ هُناك مَن يُصابُ بالفقرِ بعدَ الغِنى، وهناك مَن يُغنى غنًى يصِل به إلى دَرجةِ الطغيان، وهناك مَن يَعرِضُ له المرضُ، وهناك مَن يُصيبه الهَرَمُ، حتى يصلَ به إلى درجةِ الخَرفِ، وهناك مَن يأتيه الموتُ سريعًا؛ ولذلك قال المعصوم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَادِروا بالأعمالِ سبعًا؛ هلْ تَنتظِرونَ إلاَّ فقرًا مُنسِيًا، أو غِنىً مُطغِيًا، أو مرَضًا مُفسِدًا، أو هَرَمًا مُفنِّدًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدجالَ فشرُّ غائِبٍ يُنتظَر، أو الساعةَ فالساعةُ أدْهى وأمَرُّ))؛ رواه الترمذيُّ، وقال: حديث حسن.  

 = وامتَثَل الصحابةُ - رضي الله عنهم - لتوجيهاتِ النبيِّ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسارَعوا في الخيراتِ، وبادَروا بالأعمالِ الصالحةِ ليلاً ونهارًا، فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - الرجلُ الذي ما وَجَد طريقًًا علِم أنَّ فيها خيرًا وأجرًا إلاَّ سلَكها ومشَى فيها، حينما وجَّهَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أصحابِه بعضَ الأسئلةِ عن أفعالِ الخيرِ اليوميَّة، كان أبو بكرٍ الصديق هو المجيبَ، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أصبحَ مِنكُم اليومَ صائمًا؟))، قال أبو بَكرٍ: أنا، قال: ((فمَن تَبِع مِنكم اليومَ جنازةً؟))، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ((فمَن أَطْعَم منكم اليومَ مِسكينًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عادَ مِنكم اليومَ مريضًا؟))، قال أبو بكر: أَنا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ إلاَّ دخَل الجَنَّةَ))؛ أخرجه مسلم.  

 = وعندَما أراد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الخروجَ لقتالِ الرومِ في غزوةِ تبوكَ، فَتَحَ بابَ المسابقةِ والمسارعةِ إلى تجهيز الجيشِ المسلمِ، فحَضَّ أهلَ الغِنى على النَّفقةِ والجهادِ بالنفْسِ والمالِ في سبيلِ الله، وكان لهذه الغزوة ظروفُها الخاصَّةُ، فقد كانتِ المسافةُ إلى تبوكَ بعيدةً، وكان الحَـرُّ شديدًا، وعددُ العدوِّ كثيرًا جدًّا، وكانتِ البلادُ مجدبةً، فسارع سيِّدُنا عمرُ - رضي الله عنه - وقال في نفْسه: اليومَ أَسبِقُ أبا بكر، إنْ سبقتُه يوما، فجاءَ بنِصفِ مالِه، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أبقيتَ لأهلِك؟))، فقال: مِثلَه يا رسولَ الله، وأتَى أبو بكرٍ بكلِّ ما عِندَه مِن مالٍ! فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أبقيتَ لأهلِك؟)) فقال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، فقال عمرُ حينذاك: لا أُسابِقُك إلى شيءٍ أبدًا...؛ لأنَّ مِثْلَ أبي بكرٍ لا يُمكنُ أن يُسبقَ. وكانَ سيِّدنا عُثْمَانُ - رضي الله عنه - أكثرَ الصحابةِ مالاً، وأيسرَهم حالاً، فلمَّا سمِع النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحثُّ على تجهيزِ الجَيشِ المسلمِ، قـامَ فقال: يا رسولَ الله، عليَّ مائةُ بعيرٍ بأحلاسِها وأَقْتابها في سبيلِ الله - يعني: مجهَّزة بمعدَّاتها - ولما كرَّر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحضَّ على النَّفقة على الجيشِ، قـام عثمانُ فقال: يا رسولَ الله، عليَّ مائتا بعيرٍ بأحلاسِها وأقتابِها في سبيلِ الله، وأعادَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحضَّ على النفقةِ على الجيش مرةً ثالثة، فقام عثمانُ الغنيُّ الوفيُّ المحبُّ لله ورسولِه، فقال: يا رسولَ الله، عليَّ ثلاثمائة بعيرٍ بأحلاسِها وأقْتابها في سبيلِ الله، فما كان مِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلاَّ أنْ دعَا له قائلاً: ((اللهمَّ ارضَ عن عثمان، فإنِّي عنه راضٍ))، ولم يكتفِ بذلك شهيدُ الدارِ، بل ذهَب وجاءَ بألفِ دِينار، وصَبَّها في حجرِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجَعَل رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقلِّبها بيده ويقولُ: ((ما ضَرَّ عُثْمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ - مَرَّتينِ)). التأنِّي والتمهُّلُ والرزانةُ مطلوبةٌ في كلِّ شيءٍ إلاَّ في عَمَل الآخرة؛ لماذا؟ لأنَّ عملَ الآخرةِ مطلوبٌ فيه المسارعةُ والمبادرةُ والمسابقةُ، كما جاءَ في القرآنِ الكريمِ والسُّنَّة النَّبويَّة؛ ولذلك عندما أوشكتِ الصفحةُ الأخيرةُ مِن حياةِ الإمامِ الجُنيدِ أن تُطوى، كان يقرأُ القرآنَ، ويَجتهدُ في القراءةِ وَقْتَ خروجِ رُوحِهِ، فقيل له: أتقرأُ في هذا الوقت؟! فقال: أُبادرُ طيَّ صحيفتي. المؤمنُ الفَطِنُ يعلمُ أنَّ أنفاسَهُ معدودةٌ، وساعاتِ إقامتِهِ في الدنيا محدودةٌ، ويُدركُ أنَّ الحياةَ فُرصٌ، مَن اغتنم هذه الفرصَ وعمِل الصالحاتِ، فازَ وسعِد في الدنيا والآخِرة، ومَن ضيَّعها خابَ وخسِر، وقد حدَّثَ ابنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قائلاً: قالَ رَسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لرجلٍ وهو يَعِظه: ((اغتنمْ خمسًا قبلَ خمس: شبابَك قبلَ هرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقمِك، وغِناك قبلَ فَقْرِك، وفراغَك قبلَ شُغلِك، وحياتَك قبلَ موتِك))؛ أخرجه الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرْط الشيخين ولم يُخرجاه.

 وأساس ما يسارع اليه كل مسلم عمل الصالحات واليك قائمة بكل أعمال الصالحت التي قننها الباري في كتابه تقنينا وتمثيلا وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم 

آيات ورد فيها "عملوا الصالحات"
   
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَـٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٥ البقرة﴾
    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢ البقرة﴾
   
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٨٢ البقرة﴾
   
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٢٧٧ البقرة﴾
   
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿٥٧ آل عمران﴾
  
  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴿٥٧ النساء﴾
  
  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴿١٢٢ النساء﴾
    فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿١٧٣ النساء﴾
   
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿٩ المائدة﴾
    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٩ المائدة﴾
    لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٣ المائدة﴾
   
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٤٢ الأعراف﴾ 
    إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴿٤ يونس﴾
   
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٩ يونس﴾
    إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿١١ هود﴾
  
  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٣ هود﴾
   
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴿٢٩ الرعد﴾
   
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴿٢٣ ابراهيم﴾
   

  مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٧ النحل﴾
    إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴿٩ الإسراء﴾

💥    قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴿٢ الكهف﴾

💥     إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴿٣٠ الكهف﴾
   
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴿٨٨ الكهف﴾ 

 =================

  وانظرْ إلى الصحابيِّ الجليلِ عمرِو بن الجموحِ الأنصاريِّ - رضي الله عنه - حينما رأى أبناءَه ذاهبين إلى الجِهادِ في سبيلِ الله، أصَرَّ على مصاحبتِهم والخروجِ معهم، فحاولوا منْعَه مِن الذَّهابِ معهم قائلين له: نحن نَكفيك، وإنَّ اللهَ يَعذِرك؛ لعرجتِك وكِبر سِنِّك، ولكنَّه يصيحُ فيهم قائلاً: ما لكم تمنعونني مِن دُخولِ الجنَّةِ، ثم يذهَب إلى رسولِ اللهِ شاكيًا أبناءَه، فيُخَلِّي رسولُ اللهِ بينه وبينهم، ويتركُونه وما يُريدُ، فيقول: يا رسولَ الله، أَإِذا استشهدتُ في سبيلِ الله أدخلُ الجنةَ بعَرْجَتي هذه؟ فيُطمِئنه رسولُ اللهِ ويقولُ له: ((كلاَّ، بل تدخُلها صحيحًا))، فيَرفعُ يديه إلى السماءِ ويقول: اللهمَّ إنْ أرجعتني، فأرْجِعني منصورًا، وإنْ قبضتني، فاقبضني شَهيدًا، ثم يخرجُ مِن ساعته إلى ساحةِ القِتالِ مبتغيًا الشهادةَ فينالها، وحينما يَسمعُ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبأَ استشهادِهِ يقول: ((واللهِ لكأنِّي أرَى عمرَو بن الجموح يَمضي بعَرجتِه هذه سليمًا في الجنَّة)). تاجَر عَمرٌو مع اللهِ تعالى بنفسِهِ ومالِهِ، فكان حقًّا على اللهِ أن يُدخِله الجنَّة؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]. فسارِعْ في الخيراتِ كما سارَع أسلافُكَ، وبادرْ إلى الطاعاتِ كما بادَروا، وقدِّمْ لنفسِك كما قدَّموا؛ ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]. طرقُ الخيرِ والنفعِ كثيرةٌ متاحةٌ للجميع، ولكن أين السالِكون؟ وأينَ السائِرون؟ أبوابُ البِرِّ متعدِّدةٌ، ولكن أينَ المسارِعون إليها؟ وأينَ الطارِقون لها؟ إذا كان الرَّجلُ الغنيُّ يتصدَّقُ بما أنعم اللهُ عليه مِن نِعمةِ المالِ، فإنَّ اللهَ قد جعَل للفقراءِ أيضًا أعمالاً تُضاهي الصَّدقاتِ؛ حدث أبو ذَرٍّ - رضي الله عنه - أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الفُقراءِ قالوا للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا رسولَ الله، ذَهَب أهلُ الدُّثور بالأجـور؛ يُصلُّون كما نُصلِّي، ويَصومون كما نَصوم، ويَتصدَّقون بفُضولِ أموالِهم ولا نَتصدَّق، قال: ((أوَلَيس قدْ جعَلَ اللهُ لكم ما تَصدَّقون به؟ إنَّ بكلِّ تسبيحةٍ صدَقةً، وكلِّ تكبيرةٍ صَدَقة، وكلِّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلِّ تهليلةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيٌ عن مُنكَر صدقةٌ، وفي بُضعِ أحدِكم صدَقةٌ)) قالوا: يا رسولَ الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجْر؟ قال: ((أرأيتُم لو وضَعَها في حرامٍ، أكان عليه فيها وِزرٌ؟ فكذلك إذا وضعَها في الحلالِ كان له أجْرٌ))؛ رواه مسلم. أسألَ الله - عزَّ وجلَّ - لي ولكَ ولجميعِ الأمَّة الهدايةَ والتوفيقَ وسعادةَ الدارين. المسارعة والسباق نحو الجنات وقول الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعدُ: فإنَّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ في دين الله بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار. أيها الإخوة المؤمنون، لا يخفى ما ينبغي على الإنسان من المبادرة إلى الخيرات، والانكفاف عن المعاصي والسيئات، فإنَّ هذه الحياة الدنيا دارُ عملٍ وزرع، يجد نتاجه الإنسان؛ إما في هذه الحياة الدنيا، وقطعًا ما يكون من ذلك في الآخرة، فإنَّ الإنسانَ قد كُلِّف وأوجب الله عليه توحيدَه وطاعتَه، ونهاه عن الشركِ به وعن عصيانه، هذا هو مختصر وجملة ما ينبغي على الإنسان في هذه الحياة الدنيا، والناس في هذا مستقلٌّ ومُستكثر، منهم من يعرف غاية وجوده، فيسعى لأجلها ويبذل في سبيلها كلَّ غالٍ ونفيس، فبُوصلته متوجهةٌ إلى تحقيق هذا الهدف الأعظم، وأكثر الناس في غفلة عن هذا الواجب العظيم، فلا يزالون في هذه الحياة الدنيا في غفلة عظيمة، حتى إذا وافتهم ساعة انتقالهم إلى دار البقاء، يكون ندمهم ولات ساعة مندم: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]. وهذا يوجب على المؤمن أن يكون كثير المحاسبة لنفسه أعظم من محاسبة التاجر لشريكه، يحاسب نفسه ماذا قدَّم؟ وماذا أخَّر؟ فإنَّ مرور هذه الأيام وتوالي لياليها وساعاتها، شاهدٌ على الإنسان وهي ملأَى بما يُقدَّم فيها، ولذلك لما أدرك عباد الله المؤمنون حقيقة هذه الحياة الدنيا، جعلوا كل تصرفاتهم بحسب هذا الهدف الأعظم والغاية الكبرى، وقد حث الله جل وعلا عباده على أن يبادروا بالخيرات، وأن يكفوا عن الشرور والسيئات، ورغَّبهم في بلوغ أعالي الجنات، وحذرهم من المآلِ إلى جهنم وما فيها من العذاب والنكال؛ يقول رب العزة سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]. ففي هذه الآية الكريمة ترغيب من الله جل وعلا لعباده، وندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات، وهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى في سورة الحديد: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، فما أبلغَه من عرضٍ كريم! وما أعظمَه من ترغيب شريف في بلوغ هذه الغاية العظمى والنعمة الكبرى! وكثيرٌ من الناس يغفل عن هذا الهدف الأعظم، ويجعل سباقه في غير ما خُلِق له! نعم، إنَّ الإنسان بطبعه مبادرٌ إلى طلب الرزق والسعي فيما فيه صلاح شأنه في هذه الحياة، وهذا أمر معلوم بالفطرة والجبلَّة، ولكن لا بد أن يكون للإنسان معرفةٌ بغاية وجوده، فيسعى لذلك، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ويقول عز من قائل: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]. أيها الإخوة في الله، إنَّ المشاهد في أحوال أكثرنا أن يكون توجُّهنا إلى ما يتعلق بأمور الدنيا ومعاشها - مضاعفًا كثيرًا عن عنايتنا واهتمامنا فيما يكون في منقلبنا في الدار الآخرة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمُعتقها، وبائعٌ نفسه فمُهلكها). نعم كل أحد في هذه الدنيا يسعى غدوةً وعشيًّا، يذهب ويَجيء، وفي هذه الدنيا تكون الصفقات، وهما صفقتان لا ثالث لهما، وهما اللتان أخبر عنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بائعٌ نفسه فمُعتقها، وبائعٌ نفسه فمُهلكها). بائع نفسه الذي أنجاها وأعتقها؛ يعني بذلك أعتقها من عذاب الله وسخطه، وبلَّغها الفوز برضوانه، وذلك بالاستقامة على طاعته والاستكثار من الخيرات. وأما الصنف الثاني - وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (فبائعٌ نفسه فمهلكها) - فهو الذي جعل لنفسه السعي وراء الشهوات وعدم الانكفاف عن السيئات، وتساهَل بالطاعات، وأنت يا عبد الله كما قال الله تعالى: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14، 15]. أنت يا عبد الله أدرى بنفسك من غيرك لو وزنت نفسك وحاسبتها، ونظرت في موقفك من طريقَي الجنة والنار، فإلى أيهما أنت أقرب؟ إنك أدرى الناس بنفسك، وأعلم الخلق بتوجُّهاتك، هل أنت ممن تصبح وتمسي وهمُّك طاعة الله؟ هل أنت ممن يُكثِر المحاسبة لنفسه فيما اقترف من سيئات، وما تعاطى من منهيَّات؟ هل أنت ممن يحاسب نفسه كيف أني لم أبادر إلى الخير؟ وكيف أني لم أسعَ في تصحيح علاقتي بربي والقرب من طاعته؟ كم فرطَّت في الطاعات؟ وكم تركت من الحسنات؟ فإن كنت كذلك على هذه الطريق في المحاسبة، فإنك ستصل إلى خير؛ لأنَّ العاقل يدرك أنَّ الواجب عليه، وأنَّ سعادة نفسه ونجاتها تفرض عليه أن يضع قدميه على الطريق الذي يؤدي به إلى جنة عرضها السموات والأرض. وما أحسن ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا)، هل عامك هذا خير من عامٍ مضى في قربك من طاعة الرحمن وبُعْدِك عما يغضبه جل وعلا؟ أنت أدرى الناس بذلك وأعلم الخلق بحالك. أيها الإخوة المؤمنون، لم يَزَل عباد الله الصالحون على هذا الطريق في محاسبتهم لأنفسهم، وفيما فاتهم من الخير المقرِّب لجنة ربهم، حتى بلغوا من الخير منازلَ عالية، ولذلك ينبغي على المؤمن أن يُقارن نفسه بأهل الفضل والإحسان والمسابقة إلى طاعة الرحمن، هذا الذي ينبغي أن تكون فيه المسابقة، لا ما يكون عليه حال أكثر الناس حينما يقارنون أنفسهم بالآخرين فيما يتعلق بأمور الدنيا، ماذا ملكوا من الأموال؟ وما عندهم من الأولاد؟ وما لهم مِن مُتَع هذه الحياة الدنيا؟ والله جل وعلا ينهى عباده أن يكون هذا ميزانهم في نظرهم للآخرين؛ إذ يقول عز من قائل: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ [طه: 131]، هذا نهي من الله جل وعلا عن أن يكون الإنسان مقارنًا لنفسه بما أُوتيه الآخرون من زهرة هذه الحياة الدنيا؛ لأنَّ حقيقة ذلك كما قال سبحانه: ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾، فهذا العطاء من الدنيا والبسط للإنسان في مُتَعِها، ليس علامة الرضا، وليس هو الدلالة على طريق الجنة، ولكنه كما قال سبحانه: ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾. إنَّ المتعين على المؤمن أن يحاسب نفسه لِمَ قصَّرتُ في هذا الخير؟ ولِمَ لم أُبادر إلى هذه الطاعات؟ وهذه الطريق والحال هي التي كان عليها عباد الله الصالحون! ومن تأمل أحوال كرام هذه الأمة وسابقيها من الصحابة رضي الله عنهم، ومَن بعدهم مِن التابعين والكرام الصالحين - يجد أنهم وطَّنوا أنفسهم على المسابقة إلى الخير، فهذان هما الشيخان الكريمان أبو بكر وعمر، كان من المعلوم ما بينهما من المنافسة للخير، وكان أبو بكر رضي الله عنه سابقًا، وكان عمر يتحيَّن الفرصة التي يسبق فيها أبا بكر، حتى جاء المنادي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإنفاق في سبيل الله وفي نُصرة دينه، ومؤازرة هذا النبي الكريم، فجاء عمر يومًا وقد أتى بشطر ماله، وقال: اليوم أسبق أبا بكر، فوضع المال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جاء أبو بكر بماله كله ووضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله: (وماذا تركت لأهلك يا أبا بكر؟)، قال: تركت لهم الله ورسوله، فقال عمر: لا أُسابق أبا بكر بعد اليوم. يعني بذلك أن له مزية السبق والفضل، وهو كذلك رضي الله عنه، وهو القائل عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو جعل إيمان الأمة في كِفة، وإيمان أبي بكر في كِفة - لرجَح بهم أبو بكر)، رضي الله عنه وأرضاه. ولذا كان من آثار هذه الهمة العالية التي جعلت أبا بكر رضي الله عنه وهو بشرٌ مثلنا، وإنسانٌ مثلنا، لكن همته تعلَّقت بالآخرة، جعلته ينظر إلى أن السبق إلى الجنة هو السبق الذي لا مثيل له، وإذا به يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا يحدث عن أبواب الجنة، وأن مَن كان مِن أهل الصلاة دُعِي من باب الصلاة، ومَن كان من أهل الصدقة دُعِي من باب الصدقة، ومَن كان من أهل الصيام، دُعِي من باب الريَّان، إلى آخر ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بدافع هِمته العالية: يا رسول الله، هل على أحد من ضرورة أن يُدعى من تلك الأبواب كلها؟ هل بالإمكان أن يكون اسم عبد من عباد الله في قائمة أهل تلك الأبواب كلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم)، هنالك مَن يُدعى من تلك الأبواب كلها؛ لأنه من أهل تلك الأعمال كلها؛ من أهل الصلاة والصدقة، والصيام وأهل الجهاد والتوحيد، (وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر). إنَّ هذه الهمة العالية هي التي بلغت أبا بكر رضي الله عنه هذه المنزلة، والإنسان حتى يسلك طريق هؤلاء الأخيار والمقدَّمين من عباد الله، ينبغي أن يسلك طريقهم، وأن ينهج نهجهم، فيكون همُّه هو الطاعة متى نُودِي إليها! ولذلك ذكر بعض العلماء في دلالة هذه الآية الكريمة التي صدَّرت بها الخطبة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ونظيرتها في سورة الحديد: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الحديد: 21]، قالوا: إن المعنى المسابقة إلى تكبيرة الإحرام، ومنهم من قال: المعنى المسابقة إلى الصلاة، وقيل غير ذلك، وهذا كله كما يقول أهل العلم من صور وأجزاء دلالة هذه الآية الكريمة؛ إذ المعنى هو المبادرة إلى كل طاعة والمسارعة إليها. ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ﴾ ؛ يعني إلى ما يحقِّق لكم المغفرة، وهي الطاعات، فإن الطاعات تكفِّر السيئات، ولا يزال الإنسان مزدادًا من الطاعات حتى يكون مقرَّبًا عند ربه، مُكفَّرةً سيئاته، ألم يقل رب العزة سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه)، فدل ذلك على أن استكثار الإنسان من الطاعات، ومبادرته ومسارعته إليها، مما يؤهله لأن يكون من أهل هذه الجنة التي عظَّم الله شأنها بأنَّ عرضها السموات والأرض. وقد سأل يهودي نبينا صلى الله عليه وسلم، وجاء في رواية عند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟!)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذا الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم - وهو جواب منطقي عقلي - يحتمل أحد معنيين: أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار، ألا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل، وهذا أظهر، والمعنى الثاني أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشَّى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون في الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عِليين فوق السموات تحت عرش الرحمن، وعرضها كما قال عز وجل: ﴿ كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾، والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار. والمقصود أيها الإخوة المؤمنون أن هذه السلعة الغالية العظيمة وهي الجنة - إنما كفاؤها والسبيل إليها مسارعة إلى طاعة الله، ومسابقة إلى ما شرع من الأعمال الصالحات، وانكفاف عن السيئات. ثبَّتنا الله جميعًا على الإيمان، وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعدُ: أيها الإخوة المؤمنون، إن الإنسان يكون على ما عوَّد نفسه، وعلى ما درَّبها عليه، فمن اعتاد الخير ألِفه وأحبه، ومن اعتاد الشر مالت نفسه إليه، وبقِيت على ذلك، وهذه سنة مُطردة، وأمر معلوم يدركه العقلاء، ولذا كان من المتعين على المسلم أن يعوِّد نفسه ويوطِّنها على الخير، وذلك بأن يجعل هُجِّيراه وشاغل ذهنه الطاعة والعمل الصالح، فقبيح من الإنسان أن يفرِّط كل يوم في فريضة من هذه الفرائض التي أوجب الله تعالى، من الصلاة جماعة في المساجد بالنسبة للرجال، وقبيح منه أنه إذا ضيَّع الجماعة فيها، ضيَّع وقتها وأخرجها عما أوجب الله تعالى، وقبيح من الإنسان أن يترك الصلاة بالكلية، ففرقٌ بين من يوافي ربه يوم القيامة وعمره منتظم كله، لم يفرِّط في صلاة واحدة منذ جرى عليه قلم التكليف، وبين إنسانٍ توجد انقطاعات في حياته من هذه الفريضة العظيمة؛ حيث لم يصلها حتى لَقِي ربه، وأقبح من ذلك ولا شك مَن كان منقطعًا عن هذه الفريضة طيلة عمره أو أكثره؛ عياذًا بالله من هذا! وهكذا أيضًا في عموم أبواب الخير، حينما يشاهد الإنسان صحائف أعماله وقد خلت من كثرة الذكر والاستغفار، ومن الصدقات، ومن بر الوالدين وصلة الأرحام، ومن ختم القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحات، فالإنسان إذا وطَّن نفسه على الخير بادر إليه، ولذلك أُثِر عن كثير من الصالحين أن لهم من الأوراد اليومية التي لا يمكن أن يُفرطوا فيها مهما كان الأمر، فألِفت أنفسهم هذا الخير حتى لقوا ربَّهم جل وعلا، ولذا قال بعضهم لما حضره الموت - وبكى مَن بكى مِن حوله من بنيه وبناته -: أتظنون ربكم يضيِّع على أبيكم سبعين عامًا يصلي بالمسجد لم يرَ ظهر إنسانٍ أمامه؟ يعني بذلك مبادرته للصف الأول. وقال غيره مثل ذلك من جهة صومهم، ومن جهة عموم الطاعات التي بادروا بها لله جل وعلا. ومن الأمثلة الكبرى التي تدل على هذا المعنى: ما كان من الصدِّيق رضي الله عنه حينما سأل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يومًا الصحابةَ بعد صلاة الفجر: (من أصبح منكم اليوم صائمًا؟)، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: (من عاد منكم اليوم مريضًا؟)، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: (مَن تبِع منكم اليوم جنازة؟)، قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: (من تصدَّق منكم اليوم بصدقة؟)، قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمعت في يوم في امرئ، إلا دخل الجنة)؛ رواه مسلم. فتأملوا أيها الإخوة كيف أن أبا بكر جمع هذه الأعمال الأربعة الجليلة التي ضمن النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتى بها في يوم ولو مرة في عُمره - أن يكون من أهل الحنة بإذن الله تعالى. تأملوا أن أبا بكر أدَّاها فيما بين أذان وصلاة الفجر، ولذا قال عمر جاء في رواية أنَّ عمر رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يسأل: (مَن فعل كذا هذا اليوم؟) قال: لتَوِّنا صلينا الغداة يا رسول الله، كأنَّ عمر يقول: متى يتسع الوقت لمثل هذا العمل؟! لكن الذي يوطِّن نفسه على الخير، ويبادر له كلما لاحت فرصتُه وحضرت مناسبتُه، لم يُعوِزه تأخُّرُه عن الأعمال الصالحة، ولذا قال أبو بكر مفسرًا رضي الله عنه كيف بادر لهذا: إني خرجت من داري، فرأيت في طريقي مسكينًا فأطعمته، ورأيت جنازة آل فلان فتبعتها، وكان أخي فلان مريضًا فعدته، وأنا صائم اليوم يا رسول الله. والمقصود أيها الإخوة الكرام أن المتعين علينا أن نكون مبادرين إلى الخير، وأن نعيد ترتيب أولوياتنا في هذه الحياة، وأن نجعل الأولوية الأولى والكبرى التي لا يزاحمها شيء، هي طاعة الله جل وعلا، فلا نسمح بأن يزاحمها شيء، ولا أن نتنازل باقتراف سيئة مجاملة لأحد، أو لوجودك في مكان أو زمان، مما قد يحرجك في ظاهر الأمر، فالحرج من الله أعظم من الحرج من الخلق كلهم؛ لأن الله بيده التوفيق وبيده العقاب والثواب، وأما الخلق فهم ضُعفاء، لا يملكون شيئًا يؤذونك به، إلا ما شاء الله جل وعلا. فتأملوا رحمكم الله هذه الدلالة العظيمة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، فما أعظمه من حثٍّ من الرحمن، وفَّقنا الله لبلوغ ذلك. ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بهذا، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان علي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا اغفِر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين. اللهم اجمعهم على كتابك وسُنة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام. اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفِّق أئمتنا وولاة أمورنا لما فيه الخير. اللهم وفِّقهم لما فيه هداك، واجعل عملهم في رضاك. اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين. اللهم وفِّق وثبِّت الجنود المرابطين المجاهدين في هذه البلاد. اللهم احفظهم بحفظك، اللهم سدِّد رمْيهم وآراءهم. اللهم احفظهم وأحسِن عاقبتهم، واخلُفهم في أهليهم خيرًا يا رب العالمين. اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المبتلين في كل مكان؛ في فلسطين وسوريا، وفي العراق واليمن، وفي غيرها من البلاد. اللهم احقن دماء إخواننا في العراق في الفلوجة، اللهم دافِع عنهم يا رب العالمين من كيد الكائدين. اللهم احفظهم بحفظك، وادفَع عنهم كل شر، واجعل الدائرة على أعدائهم، ومَن أراد بهم شرًّا يا قوي يا عزيز. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا. ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أعينٍ، واجعلنا للمتقين إمامًا. اللهم بلِّغنا شهر رمضان، وأعِنَّا على ما تحب فيه يا رحمن. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. =========================================== 3. أربعون كلمة دعوية (بطريقة مختصرة عصرية) الكلمة السادسة عشرة صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات لقد كان - صلى الله عليه وسلم - مثالاً أعلى في المسارعة إلى الخير، فعن أبي سروعة عقبة بن الحارث - رضى الله عنه -، قال: "صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة صلاة العصر، فسلّم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج إليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، قال: ذكرت شيئًا من تبرٍ (الذهب المكسور) عندنا فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته" [1]. خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحبسه هذه الأمانة يوم القيامة، فبادر إلى توزيعها، والتصدق بها. وهذا أبو الدحداح الأنصاري، لما نزل قول الله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245] [2] قال للرسول - صلى الله عليه وسلم -: وإنّ الله ليريد منَّا القرض؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - يده، فقال أبو الدحداح: إني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي (أي بستاني، وكان فيه 600 نخلة) وأم الدحداح فيه وعيالها، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي من الحائط: يعني: أخرجي من البستان فقد أقرضته ربي عز وجل. وفي رواية: أن امرأته لما سمعته يناديها عمدت إلى صبيانها تخرج التمر من أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم. تريد بفعلها هذا الأجر كاملاً غير منقوص من الله. لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كم من عقٍ رداح (أي: مثمر وممتلئ) في الجنة لأبي الدحداح" [3]. وأبو طلحة الأنصاري؛ جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال يا رسول الله: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] [4] وإنّ أحب أموالي إليّ بَيْرُحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويستظل بها، ويشرب من مائها، فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: بخ يا أبا طلحة، ذاك مال رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه[5]. وهذه صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات. فعند الترمذي يقول عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، ووافق ذلك مني مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر. قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال - صلى الله عليه وسلم - له: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال عمر: "لا أسبقه إلى شيء أبدًا" [6]. وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام ويقول الآخر: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدًا وتجيء في الأوّل ومسارعة أبي بكر معروفة، ومواقفه مشهودة ومشهورة، ففي صحيح مسلم، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا! قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا! قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا! فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما اجتمعن في امرئ إلاّ دخل الجنّة"[7]. ويترجم الصحابي الجليل عدي بن حاتم المسارعة إلى الخير بشكل آخر، وبصورة بديعة فيقول: "ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلاّ وأنا على وضوء" وقال: "ما دخل وقت صلاة إلاّ وأنا أشتاق إليها" هذا الصحابي مكث فترة زمنية ليست بالهيّنة يجاهد نفسه على طاعة الله حيث إنه أسلم في السنة السابعة للهجرة، وتوفي سنة 68هـ، وعاش 180سنة وقيل 120سنة. وانظر يا رعاك الله إلى عامر بن عبدالله بن الزبير من كبار التابعين، وهو في مرض موته، يسمع المؤذن لصلاة المغرب، فيقول لمن حوله: أحملوني إلى المسجد، قالوا له: أنت عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأدخلوه في الصف مع الإمام، فركع ركعة ومات وهو يصلي [8]. وأخيرًا هذا التابعي الجليل محمد بن سيرين يسابق الزمان، ويلاحق اللحظات، ويسارع إلى الخيرات: كان يدخل إلى السوق نصف النهار، فيكبّر الله، ويسبّحه، ويذكره، فيُسأل عن ذلك، فيقول: إنها ساعة غفلة الناس. اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، واستعملنا في طاعتك. [1] البخاري 851. [2] سورة البقرة، آية (245). [3] مسند الإمام أحمد 3/179 رقم 12490، المعجم الكبير للطبراني 22/300 رقم 763. [4] سورة آل عمران، آية (92). [5] البخاري 1461، مسلم 998. [6] أبو داود 1678، الترمذي 3675. [7] مسلم 1028. [8] سير أعلام النبلاء 5/220. -------------------------------------------------- العشر الأوائل واستباق الخيرات العشر الأوائل من ذي الحجة أيام خيرات وبركات ومضاعفة الحسنات، أقسم بها الله في كتابه الكريم حيث قال: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ [الفجر: 1 - 4]، وقال تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.. ﴾ [الحج: 28]، وذهب جمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، والعمل الصالح في هذه يعدل - بل يفوق - أجر المجاهد في سبيل الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه قالوا ولا الجهاد قال: "ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" (أخرجه البخاري). وهذا الفضل الكبير لهذه الأيام يحفز العباد لاستباق الخيرات؛وذلك لأن استباق الخير وفعل ما يرضي الله ورسوله من صفات أهل الإيمان، وهذا أمر إلهي قال تعالى:﴿ ..فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148]، وقال سبحانه:﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، وقوله:﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، والخير لا حد له ولا حصر، حتى الابتسامة في وجه المسلم. استباق الخيرات منهج نبوي وتطبيق عملي: لو تأملنا حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا حياته تنتظم وتدور تحت هذا النظم القرآني:﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، وهذا ما عاش عليه ومات عليه، فقد خرج مسرعا بعد أداء صلاة العصر إلى حجر نسائه ليسارع في فعل الخير قبل أن يحجبه عنه الموت، فعن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- قال: "صليت وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعا يتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا، فكرهت أن يبيت عندنا، فأمرت بقسمته" (أخرجه البخاري). وكان -صلى الله عليه وسلم- يحض أصحابه على استباق الخيرات، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: "قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أصبح صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، قال:من شيع جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من جمعهن في يوم دخل الجنة" (أخرجه الطبراني). وسار الصحابة على هذا المنهج وهو الاستباق في الخير وزادت المنافسة بين الصديق أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- حتى قال عمر - بعدما بذل كل ما يملك من طاقة لمسابقة الصديق- ":والله لا أسبق أبا بكر أبدا". وهذا المنهج النبوي في استباق الخيرات كان منهجا عاما لكل صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الفقير منهم والغني، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن ناسا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا له: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون: إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر "(رواه مسلم). بعض الأعمال التي يدخل بها المسلم مجال السباق في أيام الخيرات: وإذا كان هذا هو حال الصحابة في الاستباق إلى الخيرات في العام كله فكيف بحالهم في مواسم الخير؟ فينبغي على كل مسلم في مواسم الخير والتي منها:العشر الأوائل من ذي الحجة أن يرفع شعار: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ . وهذه بعض الأعمال التي يدخل بها المسلم مجال السباق في فعل الخير من قبل أن يدركه الموت: 1- طهر قلبك بتوبة واستغفار تنشط جوارحك في فعل الخيرات: من أجل الأعمال التي - وللأسف يغفل عنها كثير من المسلمين - تطهير القلب من أدرانه المتعلقة به من تقديم المحاب الفانية التي حذرنا الله منها على محبة الله ورسوله وفعل الخيرات قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، لذا كان الاهتمام الأكبر من الصحابة بقلوبهم، يقول عثمان -رضي الله عنه-: "لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا"، وهذا الأمر ركز عليه -صلى الله عليه وسلم-: "إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (أخرجه البخاري ومسلم). فكل منا ينظر إلى مضغته وما فيها وهل ما بداخلها يرضي الله ورسوله، وهل يقبل أن يقبض وقلبه في حال غفلة، وهل يقبل أن يكون قلبه أشد صلابة من الجبال: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74]. فلنبدأ في هذه الأيام بتطير قلوبنا بتوبة نصوح واستغفار وندم ورجاء ودعاء وعزم ألا نعود إلى ما يغضب الله، ولنعلم ونوقن ونحن نطرق باب الكريم أنه سيغفر لنا ويتوب علينا، لأنه يحب عباده التوابين وينادي عليهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" (صحيح الترمذي واللفظ له وأحمد والدارمي). 2- ملء القلب بالإيمان والقرآن: بعد تطهير القلب بالتوبة والاستغفار والدعاء والرجاء... يتعطش القلب إلى غذاء إيماني رباني يسترد به عافيته، وأعظم ما يثبت الإيمان في القلب كلام الرحمن: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ [الفرقان: 32]، فحاول أن تجعل القرآن ربيع قلبك بقرأته وتدبره والعمل به وتحكيمه، ولا تهجر كتاب ربك فيشتكى منك: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، ولنحاول - قدر المستطاع - في هذه الأيام أن نختم القرآن الكريم. 3- الإكثار من ذكر الله وذكر آلائه: من صفات المؤمنين الإكثار من ذكر الله حتى يخرج من نطاق الذين يذكرون الله قليلا وهم المنافقون، قال تعالى:﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، من أجل ذلك لم يطلب الله من عباده المؤمنين مجرد الذكر بل الإكثار منه، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وفي أيام العشر من ذي الحجة يستحب الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد، روى الإمام أحمد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم ولا احب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"، وما أدمن أحد ذكر الله إلا وأفاد منه محبة الله تعالى، وقال ذو النون: من أدمن ذكر الله قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه. وقال بعض التابعين: علامة حب الله كثرة ذكره، فإنك لن تحب شيئاً إلا أكثرت ذكره. وقال فتح الموصلي: المحب لله لا يجد مع حب الله للدنيا لذة، ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عين. المحبون إن نطقوا نطقوا بالذكر، وإن سكتوا اشتغلوا بالفكر: فإن نطقتُ فلم ألفظ بغيركم وإن سكتُّ فأنتم عند إضماري وليس الذكر مجرد تحريك اللسان بالتسبيح والتحميد والتهليل فقط، ولكن الذكر أنواع: أ‌- ذكر عند ورود الأمر: بأن تمتثل للأوامر الإلهية والنبوية الواردة في الكتاب والسنة. ب‌- ذكر عند ورود النهي: وذلك بالانتهاء عما نهى الله ورسوله. ج- ذكر الأحوال والمناسبات: كذكر الخروج الإنسان من البيت والدخول فيه، ودخول المسجد، فلكل حالة ومناسبة ذكر. د- الذكر العددي: وهو الذي قيده النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدد، كأذكار الصلاة. هـ- الذكر المطلق:وهو الغير محصور بعدد وأنت قائم وجالس وفي كل أحيانك. و- ذكر آلاء الله: أن تتفكر في قدرة الله ونعمه عليك وينطق قلبك بها قبل لسانك. 4- تسارع لتصل رحمك وتعفو عمن ظلمك: قطع الرحم كبيرة من الكبائر التي توجب لصاحبها العقاب في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى:﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]، بل إن الذي يقطع الرحم يقطعه الله ويعسر عليه أمره، فعن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (أخرجه البخاري). فلنصل أرحامنا، وكذلك نعفو عن من ظلمنا حتى يعفو الله عنا، فهيا مد يدك في يد إخوانك وقل لهم ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]. 5- البذل والعطاء وإدخال السرور على قلوب المسلمين: ومن استباق الخيرات في هذه الأيام إدخال السرور على قلوب المسلمين؛ وذلك دأب النبي -صلى الله عليه وسلم- وخصوصا في مواسم الخير، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، ومن أعظم الأعمال عند الله سرور تدخله على قلب مسلم، فقد غفر الله لامرأة بغي ودخلت الجنة بسبب إدخال السرور على كلب، وذلك عندما سقته الماء، فكيف إذا أدخلت السرور على اليتيم والأرملة والضعيف وذي الحاجة والملهوف والمستغيث...؟!. 6- الحفاظ على الفرائض والإكثار من النوافل: ومن استباق الخيرات الحفاظ على ما افترضه الله والإكثار من النوافل والأعمال الصالحة؛لأنهما خط الأمان لهذه الأمة المسلمة؛ وذلك لأن الله يراعى ويحافظ ويدافع عن المقيمين لهذه الفرائض والمكثرين من النوافل، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه" ( أخرجه البخاري). 7- الصيام: عن حفصة -رضي الله عنها- قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي -صلى الله عليه وسلم-: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة)، والمقصود: صيام التسع أو بعضها؛ لأن العيد لا يصام، و قال -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده" (أخرجه مسلم). 8- قيام الليل والدعاء وقت السحر: كن من الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، ومن الذين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار يستغفرون، فالقيام بين يدي الله دأب الصالحين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومقربة لكم إلى الله ومرضاة للرب ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد" (الطبراني، وابن السني، وأبو نعيم، والبيهقي فى شعب الإيمان). 9- صلاة العيد والاستماع إلى الخطبة والأضحية: صلاة العيد واجتماع الناس لإظهار شعائر المسلمين والشعور بفرحة العيد بالبدء بالطاعة والبعد عما يغضب الله دائما والأضحية من أهم ما يميز المسلم في العيد؛لذا قال سبحانه:﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر:2]. وأخيرا أخي الحبيب ليكن شعارك في مواسم الخير وغيرها:﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه:84]. ======================================= ألا أدلك ...؟ يا من تريد طيبَ العيش ولذتَه، ألا أدلُّك على خير الدنيا؟ بل على حياة أبدية فيها نعيمٌ وخلود، وما تشتهي النفسُ، ويكون لك العمر السعيد؟ مع طلَّة القمر في ليلة مباركة، يكون لك جنةٌ ليس لها مثيل، وفي الصباح البهيِّ، يكون لك قبساتٌ من نور مُشرق، يبهَرُ الفراشاتِ الربيعية، تحفُّه طيورُ المحبة بأروعِ التغاريد، يباركُ أوراق الورود الندية. قِفْ وفكِّر؛ الدنيا فانية، ولك أن تطالعَ جزاء من اغتنمها، وجَدَّ واجتهدَ ليتحصَّل على الأجور والدرجاتِ العالية؛ ليصل إلى أعلى درجات الفِرْدوس الأعلى. أمَّا مَن هو خاسر، واتَّبع الشيطان والهوى، وأبحر في الدنيا ناسيًا حسابَ الآخرة؛ فالنارُ سوداءُ مظلمة، والعذاب الأبديُّ لا يُحتَمل. اسمع ما أقول لكي تتنعمَ بكل ما هو لك مُنْجٍ ومفيد، ضَعْ قدمك على أول طريق نبيِّ الرحمات؛ لتصل إلى رضا رب السموات، الله وحده لا شريك له الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، هات يدَك لنبحر في جنات الإيمان، ودموعُ الخشية تُثْلج صدورنا، ونذوق رغَد العيش رغم بساطة الحياة. هيَّا اهجرْ مستنقعاتِ الدنيا، وحُطَّ الرحالَ في واحات الإسلام؛ حيث أُنس الرحمن الرحيم. سارعْ إلى الأعمال الصالحة؛ لعلنا ننال ظلَّ عرشه، وشفاعةَ النبي العدنان، ونشرب من يده الطاهرة شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا. فالاختيار -حتمًا- نعمة الإسلام؛ لننالَ مجاورة الرحمن، والنبيِّ الأمين، والصحابة الأخيار في أعلى الجنان، والصلاةُ والسلام على نبي الهُدى محمَّد -صلى الله عليه وسلم. ====================================== المسارعة إلى الخيرات الخطبة الأولى إن الحمد لله... أما بعد: فيا عباد الله، إن المؤمن الحق لا يكون إلا كيسًا فطنًا، ذكيًّا زكيًّا، يحرص على فعل الخير، ويسارع إليه، ويتحرى أهله، ويحضر مكانه، ويرتقب زمانه، فإذا شهد مناسبته، أو عرض له سببه، أو دُعي إليه - سبق إليه مجيبًا لداعيه، ففعل ما استطاع منه، واعتذر عما عجز عنه، ورجا من الله ثواب الاثنين بفضله ورحمته. عباد الله، إن العبد الذي يستجيب لداعي الخير فيسارع إليه، ويسابق الناس فيه - لا شك أنه يفوز من الله الكريم بمنح كثيرة كريمة، وعطايا كبيرة جزيلة؛ فيعيش حياة طيبة كريمة، ويأمن من أن يحال بينه وبين قلبه، ويسلم من المحن، وينجو من الفتن، خصوصًا إذا استحضر النية، واحتسب الأجر عند ذي الكرم والجلال؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له، فغفر له))، وفي رواية لمسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة؛ في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)). والسابق إلى الخير ابتغاء وجه ربه، يجعله الله إمامًا في هذا الخير لمن يعمل به بعده، فيعطيه الله أجره ومثل أجر من فعله؛ لإحيائه لسنَّةٍ غفل عنها الناس؛ ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء))، وكان سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا أنه دعا الناس يومًا للصدقة، فسبق رجل بالصدقة فتبعه الناس، وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير، فله مثل أجر فاعله)). بل إن الرجل إذا فعل الخير ولازم عليه، فحصل له عارض منعه منه من غير قصد التخلف عنه - أجرى الله له عمله على ما كان عليه قبل ذلك العارض؛ ففي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا))، وهذا من عظيم فضل الله علينا، كذلك إذا مات المسلم على فعل خير يُبعث عليه يوم القيامة؛ لما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُبعث كلُّ عبد على ما مات عليه)). عباد الله، لقد جاء في الحديث عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: ((صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ((ذكرت شيئًا من تِبْرٍ - فتات الذهب أو الفضة قبل أن يصاغ - عندنا، فكرهت أن يحبسني؛ فأمرت بقسمته))، ومن هذا الحديث يتبين أنه على المسلم أن يسارع إلى الطاعات؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أجر من سابق إلى الصف الأول: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا عليه))، وعن جابر رضي الله عنه قال: ((قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: يا رسول الله، إن قُتلت أين أنا؟ قال: أنت في الجنة، قال: فألقى تمرات كُنَّ في يده، ثم قاتل حتى قُتل)). عباد الله، إن للمسارعة إلى الخيرات فوائد كثيرة؛ منها: 1- أنها استجابة لله ورسوله؛ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، فالله عز وجل أمر في كتابه بالمسارعة إلى الخيرات، والنبي صلى الله عليه وسلم بلَّغ هذا الأمر لأمته، وما على الرسول إلا البلاغ؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]. 2- أنها دليل على علو الهمة، والإسلام حث على علو الهمة؛ فقال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة)). 3- أن الإنسان لا يدري ما يعرض له من موت أو مرض؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا))، فلا يدري الإنسان متى يهجم عليه الموت؛ لأن الموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل، فالموت لا يستأذن أحدًا، ولا يعرف فلاحًا، ولا تاجرًا، ولا عاملًا، ولا وزيرًا، ولا محكومًا. عباد الله، إن المسارعة إلى الخيرات دليل على حب الله تعالى، والثقة بوعده والإيمان به؛ فاتقوا الله، واستجيبوا له إذا دعاكم إلى المسارعة إلى الخيرات، وعمل الصالحات، والتوبة من فعل الفواحش والمنكرات، وما يُغضب رب الأرض والسماوات. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن هذه الدنيا دار للمسابقة في فعل الخيرات والأعمال الصالحات، فالعمل الصالح هو زادنا في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فالعمل الصالح هو أنيسنا في قبورنا، ولذلك ينبغي لنا أن نجتهد في استغلال الأوقات بالطاعات، وكل ما يقرب إلى رب الأرض والسماوات، لا أن تُقضى في المحرمات، ومشاهدة المنكرات. عباد الله، استبقوا الخيرات، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل الممات، وأكثروا من الصلاة والسلام على عبدالله ورسوله محمد خير البريات؛ فإن الله قد أمركم بذلك إذ يقول في محكم الآيات: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من المسارعين إلى الخيرات، ومن الساعين إلى رِضوانك والجنات، اللهم وفِّقنا لاغتنام الأوقات في الطاعات بشتى أنواع القُربات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المسارعة في الخيرات المسارعةُ في الخيراتِ والمسابقةُ إلى الأعمالِ الصَّالحةِ للفوزِ برِضا اللهِ - عزَّ وجلَّ -

بعضه  من الالوكة    قلت المدون لقد أغفل المسلمون أهم مطلوب ساد علي كل المطلوبات الالهية والتكليفات الربانية هو[عمل الصالحات بغير قيد وو تخصي...