المبادرة إلى فعل الخيرات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد دعا الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين إلى المسارعة إلى الخيرات فقال: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133). قال ابن كثير رحمه الله: ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات.
كما حثهم على المسابقة والمنافسة في ذلك فقال: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الحديد: 21). وقال سبحانه: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 148).
قال السعدي رحمه الله: (والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل، من صلاة، وصيام، وزكوات وحج، عمرة، وجهاد، ونفع متعد وقاصر. ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير، وينشطها، ما رتب الله عليها من الثواب قال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته، فيجازي كل عامل بعمله {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} ويستدل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل، كالصلاة في أول وقتها، والمبادرة إلى إبراء الذمة، من الصيام، والحج، والعمرة، وإخراج الزكاة، والإتيان بسنن العبادات وآدابها، فلله ما أجمعها وأنفعها من آية).
وقد أثنى الله سبحانه على طائفة من عباده بأنهم يسارعون في الخيرات، وأثنى على عبده زكريا وآل بيته: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90). قال السعدي: أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها.
وقد كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال عقبة بن الحارث رضي الله عنه: صَلَّيْتُ ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِن سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عليهم، فَرَأَى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِن سُرْعَتِهِ، فَقالَ: "ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ"رواه البخاري. والتبر هو الذهب وقد جاء في بعض الروايات أنه ذهب الصدقة، والمقصود بقوله: يحبسني أي: من التوجه إلى الله تعالى أي يصير شاغلا لي. ويستفاد من الحديث مبادرته إلى فعل الخير وأن من وجب عليه فرض فالأفضل له مبادرته إليه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحث أمته على المبادرة إلى فعل الخيرات، فقال: "بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"رواه مسلم. وهنا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالمسابقة إلى الخيرات والمسارعة بالأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن التي تكثر في آخر الزمان، او قبل الانشغال عن الأعمال الصالحة بالشواغل والفتن التي تثبط العامل.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمالِ سبعًا هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هَرَمًا مُفنِدًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجالَ فشرُّ غائبٍ يُنتظَرُ، أو الساعةُ فالساعةُ أدهَى وأمرُّ"رواه الترمذي.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي، وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
لقد كانت للسلف حالات عجيبة من المبادرة إلى الخيرات وفعل الصالحات، فمنهم من كان يسرد الصوم، ومنهم من يقوم الليل، ومنهم من يختم القرآن كل ليلتين، وقد قال الربيع رحمه الله: واعلم أن الراحة لا تنال بالراحة ومعالي الأمور لا تنال بالفتور، ومن زرع حصد ومن جد وجد.
عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رأوا رجلا يصلي في المسجد، قال عمر: فلما كِدْنا أن نَعرِفَه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن سَرَّه أن يَقرَأَ القرآنَ رطْبًا كما أُنزِلَ فلْيَقرَأْه على قراءةِ ابنِ أمِّ عبدٍ". قال: ثم جلَس الرجُلُ يدعو فجعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ له: "سَلْ تُعطَه سَلْ تُعطَه". قال عُمَرُ رضي اللهُ عنه: قلتُ: واللهِ لأَغدُوَنَّ إليه فلَأُبَشِّرَنَّه، قال: فغَدَوتُ إليه لأُبَشِّرَه فوجَدتُ أبا بكرٍ رضي اللهُ عنه قد سبَقني إليه فبشَّره، ولا واللهِ ما سبَقتُه إلى خيرٍ قَطُّ إلا وسبَقني إليه.(رواه أحمد في المسند)
قال ابن الجوزي رحمه الله: (لله در أقوام شغلهم تحصيل زادهم، عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذكر المآل عن المال في معادهم، وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغلاً بمرادهم، وتوسدوا أحزانهم بدلاً عن وسادهم، واتخذوا الليل مسلكاً لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النار عن غيهم وفسادهم، فيا طالب الهوى جُزْ بناديهم ونادهم:
أحـيـوا فـــؤادي ولـكـنـهـم على صيحة من البَين ماتوا جميعاً
حرموا راحة النوم أجفانهم ولـفـوا عـلى الـزفـرات الضلـوعا
طوال السواعد شُمُّ الأُنُوفِ فـطابـوا أصـولاً وطابـوا فـروعـاً
أقبلت قلوبهم ترعى حق الحق فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق.
فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقلوب في رياض الملكوت ترعى، نَازَلَهم الخوف فصاروا وَالِهين، وناجاهم الفكر فعادوا خائفين، وجَنَّ عليهم الليل فباتوا ساهرين، وناداهم منادي الصلاح: حي على الفلاح، فقاموا متجهين، وهبت عليهم ريح الأسحار فتيقظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين، فلما رجعوا وقت الفجر بالأجر نادى الهجر: يا خيبة النائمين).
والسابقون بالخيرات المبادرون إلى الطاعات والصالحات سيسعدون بها أيما سعادة في قبورهم وفي معادهم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الصالح عند موته فكان مما قال عنه إذا وضع في قبره: "ويُمثَّلُ عَمَلُه له في صورةِ رَجُلٍ حَسَنِ الوَجْهِ طَيِّبِ الرائحةِ حَسَنِ الثيابِ، فيقولُ: أبشِرْ بما أعَدَّ اللهُ لك، أبشِرْ برِضْوانٍ من اللهِ، وجَنَّاتٍ فيها نعَيمٌ مُقيمٌ، فيقولُ: بشَّرَك اللهُ بخَيرٍ، مَن أنتَ، فوَجهُك الوَجهُ الذي جاءَ بالخَيرِ؟ فيقولُ: هذا يَومُك الذي كُنتُ توعَدُ، أو الأمْرُ الذي كُنتُ توعَدُ، أنا عَمَلُك الصالحُ، فواللهِ ما عَلِمتُك إلَّا كُنتَ سَريعًا في طاعَةِ اللهِ بَطيئًا عن مَعصيةِ اللهِ، فجَزاكَ اللهُ خيرًا"أخرجه أحمد. والشاهد أن هذا الرجل الصالح كان سريعا في طاعة بطيئا عن معصيته.
ومما يعين على ذلك قصر الأمل واليقين بالموت واستحضاره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَكثِروا ذِكرَ هادِمِ اللَّذَّاتِ الموتِ"رواه الترمذي والنسائي.
كذلك معرفة حقيقة الدنيا وحقارتها، فإنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (الرعد: 26). ويقول: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد: 20).
فطوبى لمن بادر عمره القصير، فعمر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لفعل الخيرات وترك المنكرات، والحمد لله رب العالمين.
===============================
من أسس اليسر والسماحة في الإسلام(2 - 2)
الحمد لله والصلاة ولسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
تكلمنا في مقال سابق عن بعض مرتكزات وأسس التيسير والسماحة في الإسلام، وفي هذا المقال نتحدث عن مجموعة أخرى من الأسس في هذا الباب المهم، ومنها:
رفع الحرج عن المخطئ والناسي:
مَن منا لا يخطئ؟ ومن منا لا ينسى؟.
إن الخطأ والنسيان من طبيعة البشر، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}(طه: 115). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ونسِيَ آدمُ فنسِيتْ ذرِّيَّتُهُ"رواه الترمذي.
ومن رحمة الله تعالى بأمة الإسلام وتيسيره عليها أنه سبحانه قد تجاوز لها عن النسيان، قال الله تعالى مخبرا عن دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ...}(البقرة: 286).
وقد روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ وضع لي عن أمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليْهِ".
ولا شك أننا حين نتكلم عن النسيان في هذا الباب إنما نقصد سقوط الإثم عن الناسي، أما المسؤولية عن أفعاله فيما يتعلق بحقوق العباد فليس ذلك هو المقصود.
وقد دل على سقوط الإثم عن الناسي أدلة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أكَلَ ناسِيًا وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ"رواه البخاري وغيره.
فالذي أكل أو شرب ناسيا فلا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة بخلاف المتعمد، ولا شك أن هذا من سماحة الشريعة وتيسيرها على المكلفين.
والخطأ معفو عنه كما مر في الحديث السابق، والخطأ هو ما لم يتعمده صاحبه.
قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الأحزاب: 5).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه ، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا : {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}[ البقرة : 286 ] . وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : قد فعلت " . وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب ، فله أجران ، وإن اجتهد فأخطأ ، فله أجر"). وقال رحمه الله: (وإنما الإثم على من تعمد الباطل كما قال تعالى : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}(سورة البقرة).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما أخاف عليكم الخطأ ولكني أخاف عليكم العمد.
ومن تطبيقات هذه القاعدة أن العبد إذا نطق بكلمة الكفر مخطئا فلا يكفر بها ولا يؤاخذ، كما ثبت عند مسلم رحمه الله من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ".
والخطأ شبهة تُدرأ بها العقوبة كما في بعض الجنايات، وقد تخفف به العقوبة كما في قتل الخطأ الذي يلزم فيه المخطئ بالدية ولا يطالب بالقصاص.
رفع الحرج عن المكره:
الإكراه لغة: حمل الغير على ما لا يرضاه قهرًا.
وفي اصطلاح الفقهاء: حمل الغيرِ على أن يفعل ما لا يرضاه، ولا يختار مباشرته، لو تُرك ونفسه.
إن الإكراه بهذا المعنى يرفع عن صاحبه الإثم، وقد يبيح له من التصرفات ما لم يكن مباحا في الأصل – دون إكراه – حتى إنه ليباح للمكره النطق بكلمة الكفر حال الإكراه، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على المؤمنين، قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النحل: 106).
وقد روى الحاكم عن محمد بن عمار بن ياسرقال: أَخَذَ المشركونَ عَمَّارَ بنَ ياسِرٍ، فلمْ يَتركوهُ حتَّى سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذَكَرَ آلهتَهُم بخيرٍ ثُمَّ تَركوهُ، فلمَّا أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "ما وراءَكَ؟". قالَ: شرٌّ يا رسولَ اللهِ، ما تُرِكتُ حتَّى نِلتُ مِنكَ، وذَكرتُ آلهتَهُم بخيرٍ. قالَ: "كيف تجِدُ قلبَكَ؟". قالَ: مُطمئنٌّ بالإيمانِ. قالَ: "إنْ عادوا فعُدْ"أخرجه الحاكم والبيهقي.
وإذا شرب المكره إكراها تاما الخمر فإنه لا يقام عليه الحد، كما لا تنفذ تصرفاته عند سكره مكرها كما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
مما لا شك فيه أن قوة التحمل تختلف من إنسان لآخر؛ من أجل ذلك جاء هذا التشريع الرباني بهذه الصورة الميسرة التي تناسب أحوال الناس حتى ترفع عنهم الحرج والمشقة.
فتح باب التوبة:
إن فتح باب التوبة أمام الناس من الأسس المتينة التي يرتكز عليها منهج التيسير في الإسلام، وهي سبب من أسباب ثبات المؤمن وبقائه على دين الله تعالى، حيث تزيل عن كاهله هموم المعاصي وأثقال المخالفات، وتفتح أمامه أبواب الأمل؛ مما يدفعه للسعي نحو الأفضل.
وقد دعا الله تعالى عباده إلى التوبة فقال تعالى: {قُلْ يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53). وقال: { وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ}(النور: 31).
وقد بين الله سبحانه أن التوبة سبب لمحبته - تعالى - للإنسان عندما ينيب إليه بعد أن عصاه، ويندم على فعله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222).
ولا ينبغي أن ييأس العبد من رحمة الله تعالى وإن كثرت ذنوبه بأن يقول: إن الله - تعالى - لن يغفر لي بعد هذا، فهذا القنوط من رحمة الله تعالى معصية كبرى، وعقيدة فاسدة، وسوء ظن بالله تعالى، وهو باب من أبواب الشيطان لئلا يعود إلى ربه مرة أخرى ويعمل الأعمال الصالحة، يقول عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"رواه مسلم.
ومن يسر هذا الدين وسعته ورحمته وسماحته أن الله - تعالى - جعل التوبة والأعمال الصالحة مكفرات لخطايا بني آدم، لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان: 70) .
وقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"رواه الترمذي.
إن باب التوبة مفتوح أمام العباد لا يغلق حتى تظهر علامات الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلِعَ الشَّمسُ مِن مغربِها"رواه أبو داود.
فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على تيسيره ورفع الحرج عن المؤمنين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
==============================================================
ناء الإسلام على اليسر والسماحة(1 - 2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن المتأمل في عقيدة الإسلام وتشريعاته سيجد أن مبناها على التيسير والسعة والسماحة، فلا تخلو فريضة من الفرائض ولا شعيرة من الشعائر إلا وقد أضفى عليها الله - تعالى - من اليسر ما يجعل الإنسان قادرًا على تطبيقها والقيام بها على الصورة التي أرادها الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه - عز وجل - لا يكلف النفس فوق طاقتها: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}(البقرة: 286). قال ابن كثير رحمه الله: (أي : لا يكلف أحدا فوق طاقته ، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم).
وتتضح لنا هذه الحقيقة في رسالة الإسلام بشكل أكبر عندما تتم المقارنة بين ما كانت عليها الأمم السابقة من المشقة والعنت، وما صارت عليه أمة الإسلام من يسر وسهولة، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف: 157).
وإذا أردنا أن نخوض في أعماق مبدأ التيسير والسماحة في دين الله - تعالى - فإننا سنجد أنفسنا أمام بحر زاخر من الشواهد والنصوص والأحداث التي تقر هذا المبدأ وتحث المسلمين على انتهاجه واتباعه.
إن الدين الإسلامي بمجمله قائم على اليسر ورفع الحرج ابتداء من العقيدة السهلة النقية البعيدة عن التعقيدات والخرافات، وانتهاء بأمور الأحكام والعبادات بشكل يتوافق مع الفطرة الإنسانية وتتقبله النفس البشرية من غير تكلف أو تعنت، وهذا ما أشار إليه الله تعالى في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، منها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78)، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء:28)، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة: 185).
وإذا تأملت السنة النبوية لوجدتها زاخرة بأحاديث كثيرة تحمل معاني اليسر في أمور الدين وعدم التنطع والتشدد في العبادات والطاعات، فقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن من أهم ما تميزت به رسالة الإسلام عن غيرها من الرسالات السماوية السابقة هي السماحة واليسر كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا"رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ"متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بعثتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحَةِ"رواه أحمد. والمقصود أنه أُرسِلَ بالدِّينِ السَّهل في أُصوله وفروعه، فكلُّها وسَطٌ لا إفْراطَ ولا تَفْريطَ، وتُحصِّلُ جَميعَ المصالح، وتَدْرأُ جَميعَ المَفاسد.
والسيرة النبوية التي هي الترجمة العملية لسنته صلى الله عليه وسلم سترى فيها أن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع صحابته مبني على منهج التيسير والسماحة، والشواهد أكثر من أن تعد أو تحصى، ويكفي سرد حادثة وقعت لأحد الصحابة وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يريد مخرجًا لها يرويها أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: "ما لك؟" قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا، فقال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: "أين السائل؟" فقال: أنا، قال: "خذها فتصدَّق بها"، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: "أطعمه أهلك"رواه البخاري.
مرتكزات التيسير في الإسلام:
أولا: الرخصة:
من مظاهر اليسر والسماحة في دين الإسلام أن الله يخفف عن عباده عند مظنة المشقة العارضة على المكلف، فالأحكام التي ينشأ عن تطبيقها مشقة على المكلف في نفسه أو ماله، فإن الشريعة ترخص له وتخفف عنه بما يقع تحت قدرته دون عسر أو إحراج، وجميع هذه الرخص الشرعية وتخفيفاتها متفرعة عن قاعدة "المشقة تجلب التيسير". وقد عرف السبكي رحمه الله الرخصة بأنها: ما تغير من الحكم الشرعي لعذر إلى سهولة ويسر مع قيام السبب للحكم الأصلي.
وإذا كانت الرخصة بهذا الشأن فإنه يستحب إتيانها والعمل بها في مواضع الجواز، يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"رواه أحمد.
والرخصة قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين حيث تشمل جميع أمور الدين وجوانبه في العقيدة والعبادة والمعاملة والعقوبات وغيرها. وهي منحة وصدقة من الله - تعالى - لعباده، كما قال عليه الصلاة والسلام: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" رواه مسلم.
نماذج من الرخص الشرعية:
ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الرخص التي بيّنها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام للأمة من خلال الأمثلة الآتية:
أ - الرخصة في السفر: وذلك بقصر الصلاة الرباعية المفروضة، والجمع بين صلاتي الظهر والعصر وكذا المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير. وكذلك الإفطار فيه، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(البقرة: 184).
ب - التيمم بالتراب عند عدم وجود الماء أو عند تعذر استعماله ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(المائد: 6).
ج - الرخصة في الحيض والنفاس، وهما عذران للصلاة والصيام وغيرهما في حق المرأة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أَليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ". وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: "رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ"أي بدون طواف وداع في الحج.
ثانيا: الأصل في الأشياء الإباحة:
ومن أهم المرتكزات التي قام عليها منهج التيسير في الإسلام أن الأصل في الأشياء حلها وإباحتها، وليس منعها وحرمتها، فكل ما خلق في هذا الكون مسخرٌ للإنسان ومهيأ للاستمتاع به، ما لم يكن فيه نهي صريح، يقول الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}(الجاثية: 13).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
(اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالا مطلقا للآدميين، وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها، ومماستها، وهذه كلمة جامعة، ومقالة عامة، وقضية فاضلة عظيمة المنفعة، واسعة البركة، يفزع إليها حملة الشريعة، فيما لا يحصى من الأعمال، وحوادث الناس).
وبما أن الشارع قد بيّن ذلك فلا يحق لأحد أن يحرم هذا المباح، فإنه بذلك يدخل في نطاق التنطع والتعنت المنهي عنه، ومن أجل ذلك جاء التحذير الرباني بالنهي عن تحريم الأمور المباحة أو تحليل المحرم،: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة: 87)، كما نهى عن الأسئلة التي فيها تنطع، فقد يكون هذا السؤال سببًا لإخراج الناس من الدين الحق، وإحلال غضب الله عليهم، كما حدث لبعض الأمم السابقة، يقول الله تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ . قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ}(المائدة: 101-102).
ويقول عليه الصلاة والسلام: "إنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَن سَأَلَ عن شيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِن أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ"رواه البخاري ومسلم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد دعا الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين إلى المسارعة إلى الخيرات فقال: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133). قال ابن كثير رحمه الله: ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات.
كما حثهم على المسابقة والمنافسة في ذلك فقال: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الحديد: 21). وقال سبحانه: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 148).
قال السعدي رحمه الله: (والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل، من صلاة، وصيام، وزكوات وحج، عمرة، وجهاد، ونفع متعد وقاصر. ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير، وينشطها، ما رتب الله عليها من الثواب قال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته، فيجازي كل عامل بعمله {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} ويستدل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل، كالصلاة في أول وقتها، والمبادرة إلى إبراء الذمة، من الصيام، والحج، والعمرة، وإخراج الزكاة، والإتيان بسنن العبادات وآدابها، فلله ما أجمعها وأنفعها من آية).
وقد أثنى الله سبحانه على طائفة من عباده بأنهم يسارعون في الخيرات، وأثنى على عبده زكريا وآل بيته: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90). قال السعدي: أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها.
وقد كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال عقبة بن الحارث رضي الله عنه: صَلَّيْتُ ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِن سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عليهم، فَرَأَى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِن سُرْعَتِهِ، فَقالَ: "ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ"رواه البخاري. والتبر هو الذهب وقد جاء في بعض الروايات أنه ذهب الصدقة، والمقصود بقوله: يحبسني أي: من التوجه إلى الله تعالى أي يصير شاغلا لي. ويستفاد من الحديث مبادرته إلى فعل الخير وأن من وجب عليه فرض فالأفضل له مبادرته إليه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحث أمته على المبادرة إلى فعل الخيرات، فقال: "بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"رواه مسلم. وهنا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالمسابقة إلى الخيرات والمسارعة بالأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن التي تكثر في آخر الزمان، او قبل الانشغال عن الأعمال الصالحة بالشواغل والفتن التي تثبط العامل.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمالِ سبعًا هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هَرَمًا مُفنِدًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجالَ فشرُّ غائبٍ يُنتظَرُ، أو الساعةُ فالساعةُ أدهَى وأمرُّ"رواه الترمذي.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي، وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
لقد كانت للسلف حالات عجيبة من المبادرة إلى الخيرات وفعل الصالحات، فمنهم من كان يسرد الصوم، ومنهم من يقوم الليل، ومنهم من يختم القرآن كل ليلتين، وقد قال الربيع رحمه الله: واعلم أن الراحة لا تنال بالراحة ومعالي الأمور لا تنال بالفتور، ومن زرع حصد ومن جد وجد.
عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رأوا رجلا يصلي في المسجد، قال عمر: فلما كِدْنا أن نَعرِفَه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن سَرَّه أن يَقرَأَ القرآنَ رطْبًا كما أُنزِلَ فلْيَقرَأْه على قراءةِ ابنِ أمِّ عبدٍ". قال: ثم جلَس الرجُلُ يدعو فجعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ له: "سَلْ تُعطَه سَلْ تُعطَه". قال عُمَرُ رضي اللهُ عنه: قلتُ: واللهِ لأَغدُوَنَّ إليه فلَأُبَشِّرَنَّه، قال: فغَدَوتُ إليه لأُبَشِّرَه فوجَدتُ أبا بكرٍ رضي اللهُ عنه قد سبَقني إليه فبشَّره، ولا واللهِ ما سبَقتُه إلى خيرٍ قَطُّ إلا وسبَقني إليه.(رواه أحمد في المسند)
قال ابن الجوزي رحمه الله: (لله در أقوام شغلهم تحصيل زادهم، عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذكر المآل عن المال في معادهم، وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغلاً بمرادهم، وتوسدوا أحزانهم بدلاً عن وسادهم، واتخذوا الليل مسلكاً لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النار عن غيهم وفسادهم، فيا طالب الهوى جُزْ بناديهم ونادهم:
أحـيـوا فـــؤادي ولـكـنـهـم على صيحة من البَين ماتوا جميعاً
حرموا راحة النوم أجفانهم ولـفـوا عـلى الـزفـرات الضلـوعا
طوال السواعد شُمُّ الأُنُوفِ فـطابـوا أصـولاً وطابـوا فـروعـاً
أقبلت قلوبهم ترعى حق الحق فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق.
فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقلوب في رياض الملكوت ترعى، نَازَلَهم الخوف فصاروا وَالِهين، وناجاهم الفكر فعادوا خائفين، وجَنَّ عليهم الليل فباتوا ساهرين، وناداهم منادي الصلاح: حي على الفلاح، فقاموا متجهين، وهبت عليهم ريح الأسحار فتيقظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين، فلما رجعوا وقت الفجر بالأجر نادى الهجر: يا خيبة النائمين).
والسابقون بالخيرات المبادرون إلى الطاعات والصالحات سيسعدون بها أيما سعادة في قبورهم وفي معادهم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الصالح عند موته فكان مما قال عنه إذا وضع في قبره: "ويُمثَّلُ عَمَلُه له في صورةِ رَجُلٍ حَسَنِ الوَجْهِ طَيِّبِ الرائحةِ حَسَنِ الثيابِ، فيقولُ: أبشِرْ بما أعَدَّ اللهُ لك، أبشِرْ برِضْوانٍ من اللهِ، وجَنَّاتٍ فيها نعَيمٌ مُقيمٌ، فيقولُ: بشَّرَك اللهُ بخَيرٍ، مَن أنتَ، فوَجهُك الوَجهُ الذي جاءَ بالخَيرِ؟ فيقولُ: هذا يَومُك الذي كُنتُ توعَدُ، أو الأمْرُ الذي كُنتُ توعَدُ، أنا عَمَلُك الصالحُ، فواللهِ ما عَلِمتُك إلَّا كُنتَ سَريعًا في طاعَةِ اللهِ بَطيئًا عن مَعصيةِ اللهِ، فجَزاكَ اللهُ خيرًا"أخرجه أحمد. والشاهد أن هذا الرجل الصالح كان سريعا في طاعة بطيئا عن معصيته.
ومما يعين على ذلك قصر الأمل واليقين بالموت واستحضاره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَكثِروا ذِكرَ هادِمِ اللَّذَّاتِ الموتِ"رواه الترمذي والنسائي.
كذلك معرفة حقيقة الدنيا وحقارتها، فإنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (الرعد: 26). ويقول: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد: 20).
فطوبى لمن بادر عمره القصير، فعمر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لفعل الخيرات وترك المنكرات، والحمد لله رب العالمين.
===============================
من أسس اليسر والسماحة في الإسلام(2 - 2)
الحمد لله والصلاة ولسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
تكلمنا في مقال سابق عن بعض مرتكزات وأسس التيسير والسماحة في الإسلام، وفي هذا المقال نتحدث عن مجموعة أخرى من الأسس في هذا الباب المهم، ومنها:
رفع الحرج عن المخطئ والناسي:
مَن منا لا يخطئ؟ ومن منا لا ينسى؟.
إن الخطأ والنسيان من طبيعة البشر، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}(طه: 115). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ونسِيَ آدمُ فنسِيتْ ذرِّيَّتُهُ"رواه الترمذي.
ومن رحمة الله تعالى بأمة الإسلام وتيسيره عليها أنه سبحانه قد تجاوز لها عن النسيان، قال الله تعالى مخبرا عن دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ...}(البقرة: 286).
وقد روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ وضع لي عن أمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليْهِ".
ولا شك أننا حين نتكلم عن النسيان في هذا الباب إنما نقصد سقوط الإثم عن الناسي، أما المسؤولية عن أفعاله فيما يتعلق بحقوق العباد فليس ذلك هو المقصود.
وقد دل على سقوط الإثم عن الناسي أدلة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أكَلَ ناسِيًا وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ"رواه البخاري وغيره.
فالذي أكل أو شرب ناسيا فلا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة بخلاف المتعمد، ولا شك أن هذا من سماحة الشريعة وتيسيرها على المكلفين.
والخطأ معفو عنه كما مر في الحديث السابق، والخطأ هو ما لم يتعمده صاحبه.
قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الأحزاب: 5).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه ، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا : {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}[ البقرة : 286 ] . وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : قد فعلت " . وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب ، فله أجران ، وإن اجتهد فأخطأ ، فله أجر"). وقال رحمه الله: (وإنما الإثم على من تعمد الباطل كما قال تعالى : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}(سورة البقرة).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما أخاف عليكم الخطأ ولكني أخاف عليكم العمد.
ومن تطبيقات هذه القاعدة أن العبد إذا نطق بكلمة الكفر مخطئا فلا يكفر بها ولا يؤاخذ، كما ثبت عند مسلم رحمه الله من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ".
والخطأ شبهة تُدرأ بها العقوبة كما في بعض الجنايات، وقد تخفف به العقوبة كما في قتل الخطأ الذي يلزم فيه المخطئ بالدية ولا يطالب بالقصاص.
رفع الحرج عن المكره:
الإكراه لغة: حمل الغير على ما لا يرضاه قهرًا.
وفي اصطلاح الفقهاء: حمل الغيرِ على أن يفعل ما لا يرضاه، ولا يختار مباشرته، لو تُرك ونفسه.
إن الإكراه بهذا المعنى يرفع عن صاحبه الإثم، وقد يبيح له من التصرفات ما لم يكن مباحا في الأصل – دون إكراه – حتى إنه ليباح للمكره النطق بكلمة الكفر حال الإكراه، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على المؤمنين، قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النحل: 106).
وقد روى الحاكم عن محمد بن عمار بن ياسرقال: أَخَذَ المشركونَ عَمَّارَ بنَ ياسِرٍ، فلمْ يَتركوهُ حتَّى سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذَكَرَ آلهتَهُم بخيرٍ ثُمَّ تَركوهُ، فلمَّا أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "ما وراءَكَ؟". قالَ: شرٌّ يا رسولَ اللهِ، ما تُرِكتُ حتَّى نِلتُ مِنكَ، وذَكرتُ آلهتَهُم بخيرٍ. قالَ: "كيف تجِدُ قلبَكَ؟". قالَ: مُطمئنٌّ بالإيمانِ. قالَ: "إنْ عادوا فعُدْ"أخرجه الحاكم والبيهقي.
وإذا شرب المكره إكراها تاما الخمر فإنه لا يقام عليه الحد، كما لا تنفذ تصرفاته عند سكره مكرها كما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
مما لا شك فيه أن قوة التحمل تختلف من إنسان لآخر؛ من أجل ذلك جاء هذا التشريع الرباني بهذه الصورة الميسرة التي تناسب أحوال الناس حتى ترفع عنهم الحرج والمشقة.
فتح باب التوبة:
إن فتح باب التوبة أمام الناس من الأسس المتينة التي يرتكز عليها منهج التيسير في الإسلام، وهي سبب من أسباب ثبات المؤمن وبقائه على دين الله تعالى، حيث تزيل عن كاهله هموم المعاصي وأثقال المخالفات، وتفتح أمامه أبواب الأمل؛ مما يدفعه للسعي نحو الأفضل.
وقد دعا الله تعالى عباده إلى التوبة فقال تعالى: {قُلْ يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53). وقال: { وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ}(النور: 31).
وقد بين الله سبحانه أن التوبة سبب لمحبته - تعالى - للإنسان عندما ينيب إليه بعد أن عصاه، ويندم على فعله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222).
ولا ينبغي أن ييأس العبد من رحمة الله تعالى وإن كثرت ذنوبه بأن يقول: إن الله - تعالى - لن يغفر لي بعد هذا، فهذا القنوط من رحمة الله تعالى معصية كبرى، وعقيدة فاسدة، وسوء ظن بالله تعالى، وهو باب من أبواب الشيطان لئلا يعود إلى ربه مرة أخرى ويعمل الأعمال الصالحة، يقول عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"رواه مسلم.
ومن يسر هذا الدين وسعته ورحمته وسماحته أن الله - تعالى - جعل التوبة والأعمال الصالحة مكفرات لخطايا بني آدم، لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان: 70) .
وقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"رواه الترمذي.
إن باب التوبة مفتوح أمام العباد لا يغلق حتى تظهر علامات الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلِعَ الشَّمسُ مِن مغربِها"رواه أبو داود.
فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على تيسيره ورفع الحرج عن المؤمنين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
==============================================================
ناء الإسلام على اليسر والسماحة(1 - 2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن المتأمل في عقيدة الإسلام وتشريعاته سيجد أن مبناها على التيسير والسعة والسماحة، فلا تخلو فريضة من الفرائض ولا شعيرة من الشعائر إلا وقد أضفى عليها الله - تعالى - من اليسر ما يجعل الإنسان قادرًا على تطبيقها والقيام بها على الصورة التي أرادها الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه - عز وجل - لا يكلف النفس فوق طاقتها: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}(البقرة: 286). قال ابن كثير رحمه الله: (أي : لا يكلف أحدا فوق طاقته ، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم).
وتتضح لنا هذه الحقيقة في رسالة الإسلام بشكل أكبر عندما تتم المقارنة بين ما كانت عليها الأمم السابقة من المشقة والعنت، وما صارت عليه أمة الإسلام من يسر وسهولة، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف: 157).
وإذا أردنا أن نخوض في أعماق مبدأ التيسير والسماحة في دين الله - تعالى - فإننا سنجد أنفسنا أمام بحر زاخر من الشواهد والنصوص والأحداث التي تقر هذا المبدأ وتحث المسلمين على انتهاجه واتباعه.
إن الدين الإسلامي بمجمله قائم على اليسر ورفع الحرج ابتداء من العقيدة السهلة النقية البعيدة عن التعقيدات والخرافات، وانتهاء بأمور الأحكام والعبادات بشكل يتوافق مع الفطرة الإنسانية وتتقبله النفس البشرية من غير تكلف أو تعنت، وهذا ما أشار إليه الله تعالى في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، منها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78)، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء:28)، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة: 185).
وإذا تأملت السنة النبوية لوجدتها زاخرة بأحاديث كثيرة تحمل معاني اليسر في أمور الدين وعدم التنطع والتشدد في العبادات والطاعات، فقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن من أهم ما تميزت به رسالة الإسلام عن غيرها من الرسالات السماوية السابقة هي السماحة واليسر كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا"رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ"متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بعثتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحَةِ"رواه أحمد. والمقصود أنه أُرسِلَ بالدِّينِ السَّهل في أُصوله وفروعه، فكلُّها وسَطٌ لا إفْراطَ ولا تَفْريطَ، وتُحصِّلُ جَميعَ المصالح، وتَدْرأُ جَميعَ المَفاسد.
والسيرة النبوية التي هي الترجمة العملية لسنته صلى الله عليه وسلم سترى فيها أن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع صحابته مبني على منهج التيسير والسماحة، والشواهد أكثر من أن تعد أو تحصى، ويكفي سرد حادثة وقعت لأحد الصحابة وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يريد مخرجًا لها يرويها أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: "ما لك؟" قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا، فقال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: "أين السائل؟" فقال: أنا، قال: "خذها فتصدَّق بها"، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: "أطعمه أهلك"رواه البخاري.
مرتكزات التيسير في الإسلام:
أولا: الرخصة:
من مظاهر اليسر والسماحة في دين الإسلام أن الله يخفف عن عباده عند مظنة المشقة العارضة على المكلف، فالأحكام التي ينشأ عن تطبيقها مشقة على المكلف في نفسه أو ماله، فإن الشريعة ترخص له وتخفف عنه بما يقع تحت قدرته دون عسر أو إحراج، وجميع هذه الرخص الشرعية وتخفيفاتها متفرعة عن قاعدة "المشقة تجلب التيسير". وقد عرف السبكي رحمه الله الرخصة بأنها: ما تغير من الحكم الشرعي لعذر إلى سهولة ويسر مع قيام السبب للحكم الأصلي.
وإذا كانت الرخصة بهذا الشأن فإنه يستحب إتيانها والعمل بها في مواضع الجواز، يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"رواه أحمد.
والرخصة قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين حيث تشمل جميع أمور الدين وجوانبه في العقيدة والعبادة والمعاملة والعقوبات وغيرها. وهي منحة وصدقة من الله - تعالى - لعباده، كما قال عليه الصلاة والسلام: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" رواه مسلم.
نماذج من الرخص الشرعية:
ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الرخص التي بيّنها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام للأمة من خلال الأمثلة الآتية:
أ - الرخصة في السفر: وذلك بقصر الصلاة الرباعية المفروضة، والجمع بين صلاتي الظهر والعصر وكذا المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير. وكذلك الإفطار فيه، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(البقرة: 184).
ب - التيمم بالتراب عند عدم وجود الماء أو عند تعذر استعماله ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(المائد: 6).
ج - الرخصة في الحيض والنفاس، وهما عذران للصلاة والصيام وغيرهما في حق المرأة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أَليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ". وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: "رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ"أي بدون طواف وداع في الحج.
ثانيا: الأصل في الأشياء الإباحة:
ومن أهم المرتكزات التي قام عليها منهج التيسير في الإسلام أن الأصل في الأشياء حلها وإباحتها، وليس منعها وحرمتها، فكل ما خلق في هذا الكون مسخرٌ للإنسان ومهيأ للاستمتاع به، ما لم يكن فيه نهي صريح، يقول الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}(الجاثية: 13).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
(اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالا مطلقا للآدميين، وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها، ومماستها، وهذه كلمة جامعة، ومقالة عامة، وقضية فاضلة عظيمة المنفعة، واسعة البركة، يفزع إليها حملة الشريعة، فيما لا يحصى من الأعمال، وحوادث الناس).
وبما أن الشارع قد بيّن ذلك فلا يحق لأحد أن يحرم هذا المباح، فإنه بذلك يدخل في نطاق التنطع والتعنت المنهي عنه، ومن أجل ذلك جاء التحذير الرباني بالنهي عن تحريم الأمور المباحة أو تحليل المحرم،: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة: 87)، كما نهى عن الأسئلة التي فيها تنطع، فقد يكون هذا السؤال سببًا لإخراج الناس من الدين الحق، وإحلال غضب الله عليهم، كما حدث لبعض الأمم السابقة، يقول الله تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ . قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ}(المائدة: 101-102).
ويقول عليه الصلاة والسلام: "إنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَن سَأَلَ عن شيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِن أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ"رواه البخاري ومسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق